للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهم ما يلاحظ في حياة الجبائي أنه عاش في فترة انحسار الأعتزال، التي بدات في عهد المتوكل- تولي الخلافة سنة ٢٣٢ هـ-، حين أبطل ما دعا إليه من قبله من الخلفاء من محاربة أهل السنة والدعوة إلي مذهب المعتزلة من القول بخلق القرآن وغيره، والإمام أحمد الذى نصر الله به أهل السنة توفي في أول حياة الجبائي سنة ٢٤١ هـ.

ومع ذلك فلم يصل الأمر الى منع دراسة وتدريس الجدل وعلم الكلام، وإنما أبطل المتوكل ما تبنته الدولة من نصرة المعتزلة وفرض مذهبهم على الناس، ولذلك بقيت بعض المساجد في البصرة وبغداد وغيرها يتولى التدريس فيها أو في بعض حلقاتها بعض المعتزلة (١) .

وقد سبق في بيان أحوال عصر الأشعري؛ أنه في عام ٢٧٩ هـ صدر الأمر بمنع الوراقين من بيع كتب الفلسفة والكلام (٢) ، وقد استمر هذا الانحسار بالنسبة للمعتزلة إلى مجىء البويهيين الذين دخلوا بغداد سنة ٣٣٤ هـ، ومالوا إلى التشيع والاعتزال.

في هذه الفترة عاش الجبائي، وتزعم حركة الاعتزال بعد شيخه الشحام، واستطاع بتبنيه لمذهب شيوخه، وبآرائه التجديدية في مذهب الاعتزال أن يكون له طائفة أو فرقة سميت بالجبائية.

ومن الملفت للنظر حقا أن يكون رجوع الأشعري عن الاعتزال في هذه الفترة التي انحسر فيها مذهب المعتزلة، فكيف يفسر هذا الفرح العظيم لأهل السنة؟ هل كان الجدل بين أهل السنة والمعتزلة في تلك الفترة قويا دون أن يبرز على السطح، أم أن الصراع الذي تلا هذه الفترة حين ظهرت للمعتزلة مكانة وسلطة في عهد البويهيين جعلت علماء السنة يستعيدون الأحداث السابقة التي تدعم مواقفهم ومنها قصة الأشعري؟. فصاروا ينشرونها ويؤلفون حولها.


= والفرق بين الفرق (ص: ١٨٣) ، والملل والنحل للبغدادي (ص:١٢٨) ، والتبصير بالدين (ص:٧٩) ، والملل والنحل للشهرستاني (١/٧٨) ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (ص: ٤٣) ،- ت النشار-، و (ص: ٣٥) مع المرشد الأمين.
(١) انظر: الجبائيان (ص:٦٦)
(٢) انظر: عصر الأشعري في أول هذا الفصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>