كثيرا عن مذهب السلف إذا نوقشوا في أقوالهم وانها مخالفة لأقوال السلف ولأقوال شيخهم الأشعري لا يقرون بذلك، وانما يقولون: ان السلف والأشعري قصدوا من الاثبات التفويض، ولا مانع من تفويض النصوص، أو تأويلها بما يوافق المعقول، وأن الأشعري ومن جاء بعده انما أرادوا دعم العقيدة بالحجج والقواعد الكلامية، لذلك تنتقل القضية مع هؤلاء من مسألة رجوع الأشعري الى مسألة أوسع الا وهي مذهب الأشعرية ومدى قربه أو بعده من مذهب السلف، وفصول الرسالة القادمة متضمنة لمناقشة ذلك.
أما رأى الدكتور فاروق دسوقي- ومن وافقهـ فبناه على أن الأشعري من المثبتة، وأنه قال بأقوال أهل السنة والإمام أحمد، وبنى ذلك على أنه ليس هناك تعارض بين اللمع والإبانة، وأن مباحثهما متقاربة، وإنما الاختلاف فقط في الأسلوب والطريقة، لأن الأشعري هدف من اللمع الرد على أهل الزيغ والبدع، وهدف من الابانة بيان الأدلة على أصول الديانة، فخلص من هذه الدراسة والمقارنة الى أن الأشعري رجع إلى مذهب الإمام أحمد، وهذا القول ربما يكون له وجاهة- مع بعض التحفظ أيضا- لو أن الأشعري ليس له الا هذان الكتابان، أما وقد ثبت أن للأشعري كتبا كثيرة نقل منها العلماء، وهي تدل علي أن للأشعري بعض الآراء الكلامية التي لا توافق مذهب السلف، فبصبح هذا الرأى ضعيفا جدا.
ثانيا: أما بالنسبة للقول الرابع والخامس، فالخلاف بينهما مبني على الإبانة واللمع أيهما أسبق، وبتحقيق الأمر في ذلك يتبين رجحان أحدهما.
وخلاصة أدلة من يرى أن كتاب الابانة ألفه الأشعري أولا ما يلي:
أ- قول ابن خلكان بعد ذكره لقصة رجوع الأشعري وانخلاعه من ثوب كان عليه:" ودفع للناس ما كتبه علي طريقة الجماعة من الفقهاء والمحدثين"(١) ، والإبانة هو الذى كتبه الأشعري على هذه الطريقة.
(١) انظر: دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية للدكتور عرفان عبد الحميد (ص: ١٤٨) ، وانظر الإمام ابن تيمية وقضية التأويل (ص: ١٠٠) ، ونسبها الى طبعة عبد الحميد من الوفيات ولكن =