للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاف الكلام يفسره بأنه سكوت أو آفة، وهذا واضح الدلالة أنه قصد أن الله لا يتكلم بكلام بعد كلام، بل كلامه كله قديم أزلى، ثم وضح ذلك بقوله:" فوجب لذلك أن يكون لم يزل متكلما كما وجب أن يكون لم يزل عالما"، ويمكن أن يقارن بكلام له مشابه في كتابه اللمع- الذى سبق أن نقلنا منه نصوصا عديدة تدل على سيره على مذهب ابن كلاب- يقول في كتابه هذا: "ومما يدل من القياس على أن الله تعالى لم يزل متكلما انه لو كان لم يزل غير متكلم - وهو ممن لا يستحيل عليه الكلام- لكان موصوفا بضد من أضداد الكلام من السكوت أو الآفة" (١) .

٢- ويقول في الإبانة في الأدلة على كلام الله وأنه غير مخلوق: "دليل آخر: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} [الكهف:١٠٩] ، فلو كانت البحار مدادا لكتبه لنفذت البحار، وتكسرت الأقلام، ولم يلحق الفناء كلمات ربي، كما لا يلحق الفناء علم الله تعالى، ومن فني كلامه لحقته الآفات، وجرى عليه السكوت، فلما لم يجز ذلك على ربنا سبحانه صح أنه لم يزل متكلما، لأنه لو لم يكن متكلما وجب السكوت والآفات، تعالى ربنا عن قول الجهمية علوا كبيرا" (٢) ، فقد ربط الكلام بالعلم في كونه صفة أزلية قائمة بذات الله أزلا وأبدا، وكلمات الله لا نهاية لها كما دلت على ذلك هذه الآية وغيرها، لكنها لا تدل على أن الله لا يتكلم بكلام بعد كلام اذا شاء متى شاء، وأنه كلم موسى بعد أن لم يكن مكلما له، والأشعري جعل ضد الكلام السكوت وهذا يوحي بأنه يمنع من ذلك.

٣- والأشعري يقول ان ارادة الله أزلية، ولا يجعلها من صفات الأفعال بأنه يريد في وقت دون وقت، ويقرن الإرادة بالكلام في هذا الباب كما يربطهما جميعا بالعلم، فكما أن علم الله صفة لذاته وأنه أزلي وأنه لا يجوز أن يقال علم


(١) اللمع (ص: ١٧) - ت- مكا رثي.
(٢) الإبانة (ص: ٦٧) - ت- فوقية.

<<  <  ج: ص:  >  >>