للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن لم يكن عالما لأنه يدل على وصف الله بالنقص، فكذلك الإرادة والكلام، يقول في الإبانة:"يقال لهم [أي للمعتزلة،: ألستم تزعمون أن الله تعالى لم يزل عالما؟ فمن قولهم: نعم، قيل لهم: فلم لا؟ قلتم: إن ما لم يزل عالما انه يكون في وقت من الأوقات لم يزل مريدا أن يكون في ذلك الوقت، وما لم يزل عالما انه لا يكون فلم يزل مريدا أن لا يكون، وانه لم يزل مريدا أن يكون ما علم كما علم؟ " (١) . ثم قال:"فإن قالوا: لا يجوز أن يكون علم الله محدثا، لأن من لم يكن عالما ثم علم لحقه النقصان، قيل لهم: ولا يجوز أن تكون ارادة الله محدثة مخلوقة، لأن من لم يكن مريدا ثم أراد لحقه النقصان، وكما لا يجوز أن تكون إرادته تعالى محدثة مخلوقة كذلك لا يجوز أن يكون كلامه محدثا مخلوقا" (٢) ، وقد يتبادر إلى الذهن أنه قصد الرد على من قال بخلق القرآن - وهذا حق- لكنه قصد أيضا المنع من أن الله يتكلم بكلام بعد كلام بإرادته ومشيئته، وأن الله مريد إذا شاء، متي شاء وعلل ذلك بأنه يلزم منه أن يلحقه النقصان، وحتي يتضح كلامه هنا ننقل كلامه من رسالته إلى أهل الثغر- التي نص فيها في مواضع- بما يوافق ابن كلاب، فإنه بعد ذكره لقدم الصفات:

الحياة، والعلم، والإرادة، والكلام، والقدرة، والسمع، والبصر، قال: " [وأجمعوا] على أن شيئا من هذه الصفات لا يصح أن يكون محدثا؟ إذ لو كان شي منها محدثا لكان تعالى قبل حدوثها موصوفا بضدها ولو كان كذلك يخرج عن الأهلية وصار إلى حكم المحدثين الذين يلحقهم النقص، ويختلف عليهم صفات الذم والمدح، وهذا يستحيل على الله، وإذا استحال ذلك عليه وجب أن يكون لم يزل بصفة الكمال، إذ كان لا يجوز عليه الانتقال من حال من الكمال" (٣) . والذى ينتقل من حال إلى حال ويفعل بمشيئته وقدرته، فيرضى عن هذا بعد أن لم يكن راضيا عنه، ويسخط على هذا بعد أن لم يكن ساخطا


(١) الإبانة (ص: ١٦١) .
(٢) نفس المصدر (ص: ٦٢ ا-٦٣ ١) .
(٣) الرسالة الى أهل الثغر (ص: ٦٧-٦٨) ت: الجلنيد، وفي طبعة مكتبة العلوم والحكم ت: عبد الله شاكر (ص: ٢١٥) . ومنها:"لخرج عن الإلهة". وفيها أيضا:" الانتفال من حال إلى حال" ولعلهما أصوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>