للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقي في أدلة الذين قالوا بوجوعه رجوعا كاملا إلى مذهب السلف دليلان

- لابد من التعليق عليهما- أما بقية الأدلة فهي مجملة ومحتملة:

الأول: تصريح الأشعري في الإبانة بأن كلام اللة مكتوب في اللوح المحفوظ في الحقيقة، متلو بالألسن في الحقيقة، محفوظ في الصدور في الحقيقة، وأن موسى- عليه الصلاة والسلام- سمع كلام الله، فهل هذا يدل على أنه لا يقول بقول ابن كلاب؟، لقد سبق في عرض أقوال ابن تيمية أنه يقول عن الكلابية: إنهم مع ذلك يقولون: القرآن محفوظ في القلوب حقيقة، متلو بالألسن حقيقة، مكتوب في المصاحف حقيقة. وشاهد ذلك أن أحد أعلام الأشاعرة- الباقلاني - صرح بأن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأنه أزلي أبدي متكلم به في الأزل، كما هو متكلم به فيما لا يزال، لا أول لوجوده ولا آخر له، وأنه ليس بحرف ولا صوت (١) - ومع ذلك صرح بأن " كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة" (٢) ، و " مسموع لنا على الحقيقة، لكن بواسطة القارىء" (٣) ، وقال: " إن كلام الله مسموع بحاسة الآذان على الحقيقة" (٤) ، وهو يقول: إن موسى سمع كلام الله بلا واسطة لكنه يقول أيضا في قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة:٦] ، بأن المسموع كلام الله القديم، صفة لله تعالى قديمة موجودة بوجود قبل سماع السامع لها، وإنما الموجود بعد أن لم يكن هو سمع السامع وفهم الفاهم لكلام الله تعالى، يحدث الله تعالى له سمعا اذا أراد أن يسمعه كلامه، وفهما إذا أراد أن يفهمه كلامه" (٥) .فلم يدل قوله: أن موسى سمع كلام الله أنه لا يقول بقول ابن كلاب.


(١) رسالة الحرة، المطبوعة باسم الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به (ص:٨٩،٩٩،١٠٩-١١٠) .
(٢) المصدر السابق (ص: ٩٣) .
(٣) نفسه (ص: ٩٤) .
(٤) رسالة الحرة (ص: ١٣٦) ، ويلاحظ أن السجزي- الذي شنع على الأشعرية- قال في رسالته الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص: ١٣٦) إنهم يقولون:"كلام الله مكتوب في المصاحف على الحقيقة، وليس بحروف".
(٥) رسالة الحرة (ص: ٩٤- هـ ٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>