للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أن يخلق لنفسه جارحة، يدل ذلك على أنه في حال ضعفه ونقصانه عن فعل ذلك أعجز؛ لأن ما قدر عليه في حال النقصان فهو في حال الكمال عليه أقدر، ومما عجز عنه في حال الكمال فهو في حال النقصان عنه أعجز، ورأيناه طفلا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا، وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال الشباب الى حال الكبر والهرم لأن الإنسان لو جهد أن يزيل عن نفسه الكبر والهرم ويردها إلى حال الشباب لم يمكنه ذلك فدل ماوصفنا على أنه ليس هو الذى ينقل نفسه ني هذه الأحوال وأن له ناقلا نقله من حال الى حال ودبره على ما هو عليه، لأنه لا يجوز انتقاله من حال إلى حال بغير ناقل ولا مدبر" (١) ، ثم يشرح ذلك بأن القطن لا يتحول غزلا مفتولا ثم ثوبا منسوجا بغير ناسج ولا صانع (٢) .

واحتج بنفس الدليل في رسالته إلى أهل الثغر فقال:" ونبههم على حدثهم بما فيهم من اختلاف الصور والهيآت، وغرر ذلك من اختلاف اللغات، وكشف لهم عن طريق معرفة الفاعل لهم بما فيهم وفي غيرهم بما يقتضى وجوده، ويدل على إرادته وتدبيره حيث قال عز وجل {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات:٢١] ، فنبههم عز وجل بتقلبهم في سائر الهيئات التي كانوا عليها على ذلك وصرح بقوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون:١٢-١٤] (٣) . لكن الأشعري لما شرح ذلك أتى باستدلال لا يسلم له حين قال معلقا على الآيات السابقات:"وهذا من أوضح ما يقتضي الدلالة على حدث الإنسان ووجود المحدث له، من قبل أن العلم قد أحاط بأن كل متغير لا يكون قديما، وذلك أن تغيره يقتضي مفارقة حال كان عليها قبل تغيره، وكونه قديما ينفي تلك الحال ... " (٤) . فقد ذكر أمرين: إثبات حدث


(١) اللمع (ص: ٦) - ط- مكارثي.
(٢) انظر: نفس المصدر (ص: ٦-٧) .
(٣) الرسالة الى أهل الثغر (ص:،٣- هـ ٣) .
(٤) نفس المصدر (ص: ٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>