للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان، وإثبات وجود المحدث له، فاستدل للأول بالتغير الذى يحدث للإنسان وتقلبه من حال الى حال وأن هذا يقتضي حدوثه، ثم استدل بذلك على وجود المحدث له لأن كل متغير لا يكون قديما، وهذا مبني على ما سبق بيانه من نفى حلول الحوادث الذى يقول به الأشعري، والخلاصة أن الاستدلال بحدوث الانسان وخلقه على خالقه دليل صحيح وهو الذي جاء به القرآن، أما الاستدلال على حدث الانسان بتغيره، ثم ربط التغير بالمحدث (الخالق) - وانه لا يكون متغيرا والا لكان محدثا؛ غير مسلم.

أما دليل الأعراض وحدوث الأجسام الذى احتج به المتكلمون، وقالوا: إن إثبات الصانع لا يتم الا بإثبات حدوث الأجسام، ولا يتم إثبات حدوث الأجسام إلا بإثبات حدوث صفاتها (الأعراض) ، ورتبوا على ذلك نفى الصفات عن الله أو بعضها، فقد بين الأشعري أن الرسل لم يدعوا إليه، يقول: " فأما ما دعاهم إليه عليه الصلاة والسلام من معرفة حدثهم ومعرفة محدثهم، ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وعدله وحكمته، فقد بين لهم وجوه الأدلة في جميعه حتي ثلجت صدورهم به واستغنوا عن استئناف الأدلة فيه، وبلغوا جميع ما وقفوا عليه من ذلك واتفقوا عليه إلى من جاء بعدهم، فكان عذرهم فيما دعوا إليه من ذلك مقطوعا بما (١) نبههم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأدلة على ذلك وما شاهدوه من آياته الدالة على صدقه ... وجميع ما اتفقوا عليه من الأصول مشهور في أهل النقل الذين عنوا بحفظ ذلك وانقطعوا إلى الاحتياط فيه، والاجتهاد في طلب الطرق الصحيحة إليه من المحدثين والفقهاء، يعلمه أكابرهم أصاغرهم ويدرسونه صبيانهم في كتاتيبهم لتقرر ذلك عندهم وشهرته فيهم، واستغنائهم ني العلم بصحة جميع ذلك بالأدلة التي نبههم صاحب الشريعة عليها في وقت دعوته" (٢) ، ثم بعد هذه المقدمة المركزة لبيان استغناء الصحابة ومن بعدهم بأدلة الكتاب والسنة قال عن دليل الأعراض: " واعلموا أرشدكم الله أن ما دل على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - من المعجزات بعد تنبيهه لسائر المكلفين على حدثهم


(١) في المطبوعة، الجليند "بها" والتصويب من المخطوطة (ص: ٦) ، ودرء التعارض (٧/٢٠٧) .
(٢) الرسالة إلى أهل الثغر (ص: ٥٢-٥٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>