للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجود المحدث لهم قد أوجب صحة اخباره ودل على أن ما أتي به من الكتاب والسنة من عند الله عز وجل، وإذا ثبت بالآيات صدقه فقد علم صحة كل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه وصارت أخباره عليه الصلاة والسلام أدلة على صحة سائر ما دعا اليه من الأمور الغائبة عن حواسنا، وصفات فعله، وصار خبره عليه الصلاة والسلام عن ذلك سبيلا إلى إدراكه، وطريقا إلى العلم بحقيقته، وكان يستدل به من اخباره عليه الصلاة والسلام على ذلك أوضح دلالة من دلالة الأعراض التي اعتمد على الاستدلال بها الفلاسفة ومن اتبعها من القدرية وأهل البدع المنحرفين عن الرسل عليهم السلام" (١) ، لكن الأشعري يعلل ذلك ليس ببطلانها في ذاتها وإنما لأمور أخرى يقول- بعد الكلام السابق-:"من قبل أن الأعراض لا يصح الاستدلال بها إلا بعد رتب كثيرة يطول الخلاف فيها، ويدق الكلام عليها" (٢) - ثم شرح ذلك ثم قال-:"وإذا كان ذلك على ما وصفنا بان لكم أرشدكم الله أن طرق الاستدلال باخبارهم عليهم السلام على سائر ما دعينا إلى معرفته مما لا يدرك بالحواس، أوضح من الاستدلال بالأعراض؛ إذ كانت أقرب إلى البيان على حكم ما شوهد من أدلتهم المحسوسة مما اعتمدت عليه الفلاسفة ومن اتبعهم من أهل الأهواء.." (٣) .

ب- وحدانية الله:

يستدل الأشعري لذلك بدليل التمانع، وقد شرحه بقوله"لأن الاثنين لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتسق على احكام، ولابد أن يلحقهما العجز أو واحدا منهما، لأن أحدهما اذا أراد أن يحيى انسانا وأراد الآخر أن يميته لم يخل أن يتم مرادهما جميعا، أو لا يتم مرادهما، أويتم مراد أحدهما دون الآخر، ويستحيل أن يتم مرادهما جميعا لأنه يستحيل أن يكون الجسم حيا ميتا في حال واحدة، وإن لم يتم مرادهما جميعا وجب عجزهما، والعاجز لا يكون إلها ولا قديما، وإن تم مراد أحدهما دون الآخر وجب العجز لمن لم يتم مراده منهما،


(١) الرسالة إلى أهل الثغر (ص: ٥٤-٥٥) .
(٢) المصدر السايق (ص: ٥٥) .
(٣) المصدر السابق (ص: ٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>