للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ) ففي أجواء هذه الفتنة بدأ المسلمون يعنون بالبحث عن الإسناد، والكلام في الرجال، وذلك لأن السلف خافوا من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خاصة وأن دواعي ذلك موجودة في مثل هذه الظروف، فقد روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين أنه قال: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم " (١) ، وابن سيرين كان يقول: " إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" (٢) .

وهنا بدأ التميز لأهل السنة والجماعة، وذلك بتمييز من تقبل روايته ممن لا تقبل؟ فمن كان من أهل السنة والاتباع، ولم يقل بقول طائفة من الطوائف المنحرفة بل ثبت على الهدى الصحيح، هدي الصحابة والتابعين، فهذا له تميز عند علماء الحديث، وروايته مقبولة- مع الاعتراف بتفاوت الرجال الذين لهم هذه الصفة من ناحية الحفظ والضبط- وأما من كان من أهل البدعة فروايته مردودة إلا بشروط دقيقة (٣) .

ومما يلاحظ أن الكذب قد اشتهر عند الرافضة، ولذلك قال عنهم الإمام الشافعي-رحمه الله-: " لم أر من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة " (٤) ، ولما وقعت فتنة المختار - ذى الميول الشيعية (٥) - اشتهر في زمنه الكذب ووضع


(١) صحيح مسلم، المقدمة (ص: ١٥) ، وانظر: الكفاية (ص: ١٦٢-١٦٣) هندية، وشرح علل الترمذى (١/٥١) .
(٢) الكفاية (ص: ١٦٢) .
(٣) حكم الرواية عن أهل البدع تكلم عنها العلماء: انظر: الكفاية (ص: ١٥٩) وما بعدها، وشرح علل الترمذى (١/٥٣) وما بعدها، وتدريب الراوي (١/٣٢٤) وما بعدها.
(٤) الكفاية (ص: ١٦٧) ، وقال يزيد بن هارون [توفي سنة: ٢٦ هـ] سير أعلام النبلاء: ٩/٣٥٨: " يكتب عن كل مبتدع- إذا لم يكن داعية- إلا الرافضة فإنهم يكذبون " (المنتقى ص: ٢٢) .
(٥) من العجيب أن هذا الكذاب كان أول أمره ناصبيا، فأبغضته الشيعة، ثم تشيع. انظر ترجمته في: البداية والنهاية (٨/٢٨٩-٢٩٢) ، وانظر سير أعلام النبلاء (٣/٥٣٨) ، وميزان الاعتدال (٤/ ٨٠) ، وكان المختار يزعم أنه يوحي إليه. انظر: المسند للإمام أحمد (٥/٢٢٣-٢٢٤) قتل المختار سنة: ٦٧ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>