هذه أهم الخطوط العامة لما وقع من التطور فيه، وقد تكون هناك تطورات جزئية، لكنها تدخل ضمن أحد هذه الأمور، وهناك بعض الظواهر في المذهب الأشعري قد تلفت نظر المطلع، وذلك مثل ظاهرة ارتباط المذهب الشافعي الفقهي بالمذهب الأشعري، ومثله المالكي، ولكن هذه لا تعدو أن تكون دعوى يدعيها بعض المتحمسين للمذهب الأشعري، وأقرب الأمثلة على ذلك السبكي في طبقات الشافعية، فقد حاول أن يجعل من كتابه هذا ما يمكن أن يسمي بطبقات الأشعرية، ويلاحظ ذلك من يطلع على التراجم في هذا الكتاب وأسلوبه في عرض كل ترجمة، ولا شك أن المدارس النظامية وبعض أعلام الشافعية كان لهم أثر فيما يلمس من تبني جمهرة كبيرة من فقهاء الشافعية للمذهب الأشعري، ولكن ليس بهذه الصورة التي يدعيها هؤلاء، كما أنه ليس كل الحنابلة مثبتة على وفق مذهب السلف، بل فيهم أعداد مالت إلى مذهب الأشاعرة أو إلى ما هو أشد غلوا منه.
والجزم في مثل هذه الأمور - التي لا يمكن أن يحصر من لهم علاقة بها من الأعلام، على مختلف الأزمنة والأمكنة- نوع من المجازفة يأباها النظر الفاحص والتتبع الدقيق، ومع ذلك فظاهرة تبني بعض أعلام الشافعية للمذهب الأشعري مما لا ينكر.
وقد يرد في الذهن تساؤل عن أسباب حدوث هذا التطور في مذهب الأشاعرة، وهل كان المذهب يحمل في داخله دواعي مثل ذلك؟ ثم لماذا كان التطور في هذه الاتجاهات المنحرفة ولم يكن في الرجوع إلى مذهب السلف، والتخلي عن البقايا الكلامية والاعتزالية؟.
لعل في عرض النقاط التالية شيئا من التحليل والتعليل، والأمر قبل كل شيء بيد الله تعالى، فهو الذي يصرف قلوب عباده كما يشاء، ولو شاء لجمعهم على الهدى:
١- إن الانحراف يبدأ في الغالب صغيرا، ثم يكبر، والمتتبع لأغلب المقالات، يجدها تبدأ صغيرة ثم يزداد انحرافها وغلوها مع الزمن، والمذهب الأشعري لما أن حوى منذ البداية انحرافا معينا سواء كان بالدخول في علم الكلام، أو تبني بعض آراء المعتزلة - وهذا كله مما يخالف مذهب السلف ومنهجهم -