أصبح قابلا للزيادة في هذا الانحراف من خلال التمادي في علم الكلام والتزام لوازم الأقوال الفاسدة، والاستسلام لبعض شبهات أهل الضلال، وعدم القدرة على رد باطلهم إلا بالتزام بعض الأقوال الفاسدة.
٢- كثرة مؤلفات مؤسسة أبي الحسن الأشعري، مع ما صاحب ذلك من كونه نشأ وعاش زمنا طويلا في ظل مذهب المعتزلة، وكان من آثار ذلك عدم استطاعته التخلص من المنهج الكلامي في عرض العقيدة، بل زاد على ذلك بأن التزم بعض أصولهم، وهذا كله بعد رجوعه، وقد كان من المفترض أن يكون رجوعه كاملا عن منهجهم وعقيدتهم إلى منهج وعقيدة السلف، لكن الذي وقع أنه ترك الاعتزال وتبني مذهب الكلابية، فإذا أَضيف إلى ذلك كثرة مؤلفاته ورسائله التي ألفتها بعد رجوعه واستخدامه في غالبها الاسلوب العقلي الكلامي، كما هو واضح في مثل كتابه " اللمع " وفي ما حواه كتاب ابن فورك " مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري "، مع تأخر كتابه الإبانة، وكونه كتابا واحدا في مقابل عشرات الكتب المنتشرة، فهذا يفسر ما وقع من تطور في مذهب الأشاعرة، مع قناعة أعلامهم بأنهم لم يخالفوا أقوال شيخهم الأشعري مخالفة أصولية (١) .
٣- إن المذهب لم يبن منذ البداية على منهج مؤصل؛ حيث لم يحدد له أصول واضحة في الاعتقاد أو كيفية التعامل مع النصوص، والأشعري في الإبانة كان صاحب منهج يختلف عن منهجه في كثير من كتبه، لذلك فالمذهب منذ البداية نشأ على التذبذب بين موافقة مذهب السلف، والرد على المعتزلة، وتأييد العقيدة بعلم الكلام، ولو نشأ المذهب واضح المعالم في الاستدلال للعقيدة أو الرد على المخالفين لكان ذلك مانعا من اجتهاد يأتي فيما بعد يؤدي إلى الانحراف، وهذا ما حدث بالنسبة لما كتبه أعلام السلف في ردودهم على الجهمية
(١) سبقت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن كتاب "المجرد" في آخر الكلام عن مؤلفات الأشعري، ويرى ابن بدران أن أتباع الشعري التقطوا مسائل كتبه التي رد بها على المعتزلة وجعلوها مذهبا له، وتركوا الإبانة التي صرح فيها بعقيدته، انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أزحمد (ص: ٤٩-٥٠) .