للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كلام الله غير مخلوق ولا حادث بوجه أن يقول: إن الله يتكلم كلاماً بعد كلام، لأن ذلك يوجب حدوث الكلام، وإنما يتجدد الإسماع والإفهام، ونصب العبارات وإقامة الدلالات على الكلام الذي لم يزل موجوداً وحدوث الدلالة والعبارة لا يقتضي حدوث المدلول المعبر عنه، كما أن حدوث الذكر والدعاء لا يقتضي حدوث المذكور والمدعو" (١) .

هذه بعض المسائل التي اتفق فيها الباقلاني وابن فورك، على أن ابن فورك تميز عن الباقلاني بما يلي:

١- الاستدلال بالسنة في دقائق مسائل الأسماء والصفات، مع أن له رأياً في أخبار الآحاد وأنها لا تفيد اليقين والعلم، لكنه يرى جواز ذكرها لإفادتها غلبة الظن، فهي من باب الجائز الممكن، يقول: " وأما ما كان من نوع الآحاد مما صحت الحجة به من طريق وثاقة النقلة، وعدالة الرواة، واتصال نقلهم، فإن ذلك - وإن لم يوجب العلم والقطع - فإنه يقتضي غالب ظن وتجويز حكم، حتى يصح أن يحكم أنه من باب الجائز الممكن، دون المستحيل الممتنع" (٢) ، والسبيل الأمثل فيها تخريجها وتأويلها، وليس إنكارها كما فعلت المعتزلة، ولا اعتقاد التشبيه بها كما فعلت المشبهة (٣) .

والمطلع على كتاب ابن فورك في مشكل الحديث يلحظ أمرين عجيبين:

أحدهما: البحث عن أوجه التأويل لكل حديث، والتكلف في ذلك، وهو يعتقد أن هذه مهمة طائفة من أهل الحديث، فقد قسمهم إلى فرقتين: فرقة هم أهل النقلة والرواية، وحصر أسانيدها، وتمييز صحيحها من سقيمها، وفرقة منهم يغلب عليهم تحقيق طرق النظر والمقاييس، والإبانة عن ترتيب الفروع على الأصول ونفي شبه الملبسين عنها، فالفرقة الأولى للدين كالخزنة للملك


(١) مشكل الحديث (ص: ١٩٣-١٩٤) .
(٢) المصدر السابق: (ص: ٢٢) .
(٣) انظر: المصدر نفسه (ص: ٢٣٥-٢٣٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>