للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب خوض الممهدين، بل خوض الهادمين المعترضين، ولذلك سمينا الكتاب " تهافت الفلاسفة " لا تمهيداً لحق، فليس يلزمنا الجواب عن هذا" (١) .

والثاني: أن الغزالي ألف هذا الكتاب بعد دراسته للفلسفة ليستفيد منها ولا شك أنه تأثر بها أيما تأثر، أما رده عليها فبناء على العقيدة التي يظهرها للعوام -كما هو مذهبه في أن للإنسيان ثلاث عقائد - ولذلك قال في مقدمة التهافت بعد ذكره لانتشار أقوال الفلاسفة وإعجابهم بأنفسهم: " فلما رأيت هذا العرق من الحماقة نابضاً على هؤلاء الأغبياء انتدبت لتحرير هذا الكتاب، رداً على الفلاسفة القدماء " (٢) ، وهذا يشبه موقفه من الباطنية -الذين انتشرت دعوتهم في زمنه انتشاراً عظيماً - يقول عنهم: " وكان قد نبغت نابغة التعليمية، وشاع بين الخلق تحدثهم بمعرفة معنى الأمور من جهة الإمام المعصوم القائم بالحق، فعن لي أن أبحث في مقالاتهم، لأطلع على ما في كنانتهم، ثم اتفق أن ورد على أمر جازم من حضرة الخلافة بتصنيف كتاب يكشف حقيقة مذهبهم، فلم يسعني مدافعته " (٣) ، ثم بين أن هذا الأمر جاء موافقاً لما في نفسه من معرفة مذهبهم - ليستفيد منه - فقال: " وصار ذلك مستحثاً من خارج ضميمة للباعث الأصلي من الباطن " (٤) ، وهذا يوافق قوله في فضائح الباطنية: " فكانت المفاتحة بالاستخدام في هذا المهم في الظاهر نعمة أجابت قبل الدعاء، ولبت قبل النداء، وإن كانت في الحقيقة ضالة كنت أنشدها، وبغية كنت أقصدها" (٥) .

فدراسة الغزالي لمذهب الباطنية جاء عن رغبة باطنة في الاستفادة مما قد يكون عندهم من معارف، وهذا يشبه ما فعله مع الفلاسفة، ومما يلاحظ أنه في رده على الباطنية انطلق من منطلق أشعري، وهذا واضح في كتابيه فضائح


(١) تهافت الفلاسفة (ص:١٨٠) .
(٢) المصدر نفسه (ص:٧٥) .
(٣) المنقذ من الضلال (ص: ١١٨) ، - ت صليبا وعياد - والكتاب الذي ألفه: فضائح الباطنية انظره: (ص: ٢-٣) .
(٤) المنقذ من الضلال (ص: ١١٨) .
(٥) فضائح الباطنية (ص: ٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>