للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها - وهي أول شروطها - تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة، استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله؟ وهذا آخرها، بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها، وهي على التحقيق أول الطريقة، وما قبل ذلك إلا كالدهليز للسالك إليه " - ثم يوضح أكثر فيقول: " ومن أول الطريقة تبتدي المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة، وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتاً، ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز منه.." (١) ، ما نوع تصوف الغزالي الذي يقول فيه هذا الكلام - خاصة المقطع الأخير منه -؟.

لقد كان التصوف قبله متمثلاً بتصوف المحاسبي، ثم القشيري، وقد سبق حقيقة تصوفهما، وما يحمله من بدع مخالفة للسنة، فهل كان تصوف الغزالي من هذا النوع، أم كان تصوفاً من نوع آخر.

إن هناك من يدافع عن الغزالي، ويرى أن تصوفه تصوف سني، وأنه هاجم الفلاسفة والمتكلمين لنصرة طريق الصوفية (٢) ، ولكن المطلع على كتبه - وما ألفه منها للخاصة - كمشكاة الأنوار، والمعارف العقلية، وميزان العمل، ومعارج القدس، وروضة الطالبين، والمقصد الأسني، وجواهر القرآن، والمضنون به على غير أهله، يرى شيئاً آخر غير التصوف المعروف.


(١) المنقذ من الضلال (ص: ١٣٩-١٤٠) .
(٢) مثل عبد الحليم محمود وتلامذته، انظر: مقدمات تحقيق المنقذ من الضلال، عبد الحليم محمود (ص: ١٧) ، وما بعدها، (ص: ٥٨) ، وما بعدها، وانظر: التوحيد الخالص أو الإسلام والعقل، عبد الحليلم محمود (ص: ١٧٤-١٧٩) ، وانظر: الفلسفة الإسلامية بين التقليد والابتكار: عبد الرحمن عميرة (ص: ٤٨) ، وما بعدها، والإمام الغزالي وعلاقة اليقين بالشك (ص: ١٧٧) ، وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>