أولهما: ما سبق نقله عنه من أن لكل رجل كامل ثلاث عقائد، إحداها ما يتظاهر به أمام العوام ويتعصب، والثانية: ما يسار به في التعليم والإرشاد - وهو يختلف بحسب حال المسترشد الطالب -،والثالثة: ما يعتقده الإنسان في نفسه ولا يطلع عليه إلا من هو شريكه في المعرفة، إذن الغزالي -حتماً - يخفي جوانب خاصة وسرية من عقيدته.
والثاني: جمع أقواله ولمحاته - التي يشير دائماً إلى سريتها والضن بها - ثم مقارنتها بأقوال من سبقه من الفلاسفة - المائلين إلى الإشراق والتصوف - كابن سينا وغيره، وقد تنبه إلى هذا المنهج بعض الباحثين (١) ، ونحن هنا نذكر نماذج فقط من أقواله التي تدل على أن تصوفه كان تصوفاً فلسفياً إشراقياً، وإن هجومه على الفلاسفة في التهافت لم يكن إلا بمنهج النوع الأول من العقيدة -لكل إنسان - وهي العقيدة التي يتعصب لها ويذب عنها:
١- يقول الغزالي في كتابه: إحياء علوم الدين عن علم المكاشفة: " هو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة، وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها، فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة، فتتضح إذ ذلك، حتى تحصل المعرفة الحقيقة بذات الله سبحانه، وبصفاته الباقيات التامات، وبأفعاله وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة، ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا، والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي، ومعنى الشيطان، ومعنى لفظ الملائكة والشياطين، وكيفية معاداة الشياطين للإنسان، وكيفية ظهور الملك للأنبياء، وكيفية وصول الوحي إليهم، والمعرفة بملكوت السموات والأرض..الخ" ثم يقول عن هذه الكشوفات التي تحصل: " وهذه هي العلوم التي لا تسطر في الكتب، ولا يتحدث بها
(١) من هؤلاء سليمان دنيا في كتابه: الحقيقة في نظر الغزالي (ص:١٤٩) ، وما بعدها، وحسام الألوسي في كتابه عن الغزالي، انظر: دراسات (ص: ٢٣٧) ، وما بعدها.