للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنه لا يذكر في زمرة الجكماء المحققين، ولا يعد في الرعيل الأول من المدققين، أورد على الحكماء شكوكاً وشبهاً كثيرة وما قدر أن يتخلص منها، وأكثر من جاء بعده ضل بسببها، وما قدر على التخلص منها" (١) ، ويقول عنه أيضاً: " هو شيخ مسكين، متحير في مذاهبه التي يخبط فيها خبط عشواء" (٢) .

هذه أقوال الناس فيه مدحاً وذماً، ومنها يتبين كيف كان الرازي - بمؤلفاته العديدة ذا أثر واضح فيمن جاء بعده من الأشاعرة الذين رأوا فيه علماً من أعلامهم المنافحين عن مذهبهم ضد مخالفيهم من مختلف الطوائف.

ثانياً: هناك مسألة تحتاج إلى بيان، وهي أن الرازي بلا شك خاض في علم الكلام والفلسفة، فعلى أي وجه كان خوضه فيهما؟ وما خلاصة منهجه وعقيدته؟

هل كان فيلسوفاً مثل ابن سينا والفارابي وغيرهما؟ أم كان متكلماً مناهضاً للفلسفة؟ أم أنه متكلم متفلسف يؤيد الفلاسفة حيناً ويؤيد المتكلمين حيناً آخر؟ أم أنه مر بمراحل في حياته، يميل إلى الفلسفة في مرحلة ثم يتخلى عنها إلى علم الكلام في مرحلة لاحقة؟ (٣) .

هذه أهم الأقوال في حقيقة منهج الرازي وعقيدته التي سطرها في كتبه، والأقوال الثلاثة الأولى منها لا تعارض بينها، لأن من وصفه بأنه فيلسوف فقد بنى قوله على كتبه الفلسفية الواضحة كالمباحث المشرقية وشرح الإشارات، وشرح عيون الحكمة، وهذه كتب نهج فيها الرازي نهج الفلاسفة وهو وإن ناقشهم فيها أحياناً أو جعل فيها قسماً للإلهيات فذلك لأن كتب الفلاسفة الإسلام نفسها فيها أشياء من هذا ولم تخرج كتبهم عن أن تكون كتباً فلسفية، ومن قال إنه متكلم - أشعر - فقد بنى ذلك على كتب الرازي التي تبنى فيها


(١) نزهة الأرواح (٢/١٤٤) .
(٢) المصدر السابق (٢/١٤٦) .
(٣) ذكر خلاصة هذه الأقوال والقائلين بها الزركان في كتابه عن الرازي (ص:٦١٦-٦١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>