للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د - هناك جانب لابد من الانتباه إليه بالنسبة للذين خاضوا في الفلسفة من علماء الأشاعرة، وهو أنهم يحرصون كثيراً على إخفاء ما عندهم من عقائد توافق مذاهب الفلاسفة، ولذلك فهم يكتمون بعض أمورهم ويلمحون لذلك في مواضع من كتبهم، وأبرز الأمثلة على ذلك الغزالي - كما سبق - أما الرازي فكان خوضه في علوم الفلاسفة صريحاً حتى هاجمه وانتقده - بسبب ذلك - بعض علماء الأشاعرة ومع ذلك فوصل الأمر به إلى إخفاء بعض الأمور، ومن الأمثلة على ذلك:

١- قوله في المباحث المشرقية حين عرض لمسألة العقول والجواهر المجردة التي قال بها الفلاسفة: " هذا ما نقوله في هذا الموضع وهذا الفصل من كلامنا، وهو مشتمل على رموز ونكت من استحضر الأصول الماضية وقف عليها، وظفر منها بالحق الذي لا محيص عنه، ولكنا تركناها مستورة لئلا يصل إليها إلا من هو أهلها " (١) .

٢- وفي شرحه لكتاب الإشارات والتنبيهات قال بعد ذكر قول ابن سينا في آخرها: " خاتمة ووصية: إني قد مخضت لك في هذه الإشارات عن زبدة الحق، وألقمتك قفيّ الحكم في لطائف الكلم، فصنه عن الجاهلين والمبتذلين، ومن لم يرزق الفطنة الوقادة، والدربة والعادة، وكان صغاه مع الغاغة، أو كان من ملاحدة هؤلاء الفلاسفة ومن همجهم، فإن وجدت من تثق بنقاء سريرته واستقامة سيرته وبتوقفه عما يتسرع إليه الوسواس، وبنظره إلى الحق بعين الرضا والصدق، فآته ما يسألك منه، مدرجاً، مجزأ، مفرقاً، تستغرس مما تسلفه لما تستقبله، وعاهده بالله وبأيمان لا مخارج لها، ليجرى فيما تأتيه مجراك متأسياً بك، فإن أذعت هذا العلم، أو أضعته فالله بيني وبينك وكفى بالله وكيلاً " (٢) ، قال الرازي معلقاً على هذا الكلام: " وأنا أيضاً أوصيك يا أخي في الدين وصاحبي في طلب اليقين أن تعمل بهذا الشرح ما أمرك الشيخ به،


(١) المباحث المشرقية (٢/٤٤٥) .
(٢) الإشارات والتنبيهات، مع شرح الطوسي (٤/٩٠٣-٩٠٦) ، - ط دار المعارف -.

<<  <  ج: ص:  >  >>