وينكرون حشر الأجسام، وكان أعظمهم قدراً أرستطاليس، وله كتب كثيرة، ولم ينقل تلك الكتب أحد أحسن مما نقله الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا الذي كان في زمن محمود بن سبكتكين، وجميع الفلاسفة يعتقدون في تلك الكتب اعتقادات عظيمة" ثم يقول بعد هذا مباشر مبيناً أسباب دراسته لكتبهم: " وكنا نحن في ابتداء اشتغالنا بتحصيل علم الكلام تشوقنا إلى معرفة كتبهم لنرد عليهم، فصرفنا شطراً صالحاً من العمر في ذلك حتى وفقنا الله تعالى في تصنيف كتب تتضمن الرد عليهم ككتاب نهاية العقول، وكتاب المباحث المشرقية، وكتاب الملخص، وكتاب شرح الإشارات ... [وذكر كتباً أخرى] .. وهذه الكتب بأسرها تتضمن شرح أصول الدين وإبطال شبهات الفلاسفة وسائر المخالفين، وقد اعترف الموافقون والمخالفون أنه لم يصنف أحد المتقدمين والمتأخرين مثل هذه المصنفات، وأما المصنفات الأخرى التي صنفناها في علم آخر فلم نذكرها هنا" ثم يقول عن الاتهامات التي وجهت إليه بسبب كتبه: " ومع هذا فإن الأعداء والحساد لا يزالون يطعنون فينا وفي ديننا، مع ما بذلنا من الجد والاجتهاد في نصرة اعتقاد أهل السنة والجماعة، ويعتقدون أني لست على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي ولا مذهب أسلافي إلا مذهب أهل السنة والجماعة، ولم تزل تلامذتي ولا تلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون الخلق إلى الدين الحق والمذهب الحق، وقد أبطلوا جميع البدع، وليس العجب من طعن هؤلاء الأضداد الحساد بل العجيب من الأصحاب والأحباب كيف قعدوا عن نصري والرد على أعدائي " (١) ،
وهذا الكلام يدل على أن الرازي وهو يؤلف في الفلسفة كان قاصد للرد على أصحابها من منطلق مذهبه الأشعري، ولكنه لما خاض في هذه الأمور اجتهد في عرض مذاهبهم وأقوالهم وحجبهم بأسلوبه، كما فعل الغزالي في مقاصد الفلاسفة، وكانت للرازي في أثناء عرضه لهذه الأمور ترجيحات وافق في بعضها مذهب الفلاسفة، ولم يكن في وقت من الأوقات فلسفياً خالصاً حتى يقال: إن مذهبه قد تطور.
(١) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص: ٩١-٩٣) - ت النشار-..