للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا في وسط حياته، ومثله في آخر حياته، ثم إن الرازي في واحد من كتبه المتقدمة التي وافق فيها بعض آراء الفلاسفة وصف بعض أقوالهم بأنها خرافات، وقال: إنه لا يقبل مقالات الأولين (١) ، فكيف يقال: إنه في أول أطواره كان أرسطياً مشائياً؟ وإن كتابه " المباحث المشرقية" يمثل هذه المرحلة؟ والرازي يتناقض في الكتاب الواحد من كتبه، وقد ذكر الزركان مثالاً على ذلك (٢) ، فهل يقال في مثل هذا: إن مذهبه قد تطور؟

ب - سار الزركان في دراسته على تتبع جزئيات المسائل، وعرض تطور مذهبه في كل واحدة منها على حده، ومن المعلوم أن المسائل يترتب بعضها على بعض، فمن وافق الفلاسفة أو المعتزلة أو الأشاعرة فلا بد أن تكون موافقته لعموم المسائل التي يقوم عليها هذا المذهب - خاصة الأصولية منها -، والمتتبع لما عرضه الباحث لتطور مذهب الرازي في كل مسألة لا يرى أنه تسير نسقاً متقارباً - ولا أقول واحداً - والسبب في ذلك أن الرازي - وهو المكثر في تآليفه - كان يرجح في كل مسألة ما يتوصل إليه عند كتابتها، ثم قد يعود إلى المسألة نفسها في كتاب آخر ويرجح ترجيحاً مخالفاً لترجيحه الأول، والناظر فيما كتبه الباحث حيال ثلاث من أهم المسائل الفلسفية والكلامية، وهي مسألة: هل الوجود زائد على الماهية، والمثل الأفلاطونية، وتماثل الأجسام (٣) وتطور مذهب الرازي في كل واحد منها، يستنتج منها أنه كان مضطرباً بشكل واضح وأن من الصعوبة بمكان القول بأن مذهبه تطور فيها.

جـ - يقول الرازي في كتابه في الفرق عن الفلاسفة - وقد صنفهم ضمن الفرق الخارجين عن الإسلام بالحقيقة والاسم -: " مذهبهم أن العالم قديم وعلته مؤثرة بالإيجاب، وليست فاعلة بالاختيار، وأكثرهم ينكرون علم الله تعالى،


(١) انظر: المباحث المشرقية (٢/٥٠٧) .
(٢) انظر: فخر الدين الرازي (ص:٣٢٠) .
(٣) انظر: هذه المسائل الثلاث في المصدر السابق - على التوالي - (ص: ١٧٠) ، وما بعدها و (ص: ٤١٠-٤١٥) و (ص: ٥٠١-٥٠٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>