للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم والجدل بالوقوف على نهاية الإقدام، وأن الرازي أتى في ذلك منتهى نهاية العقول والمطالب العالية بما يعجز عنه غيره من ذوي الإقدام، حتى كان فهم ما يقوله عندهم هو غاية المرام، وإن كان فضلاؤهم مع ذلك معترفين بما في كلامه من كثر التشكيك في الحقائق، وكثرة التناقض في الآراء والطرائق، وأنه موقع لأصحابه في الحيرة والاضطراب، غير موصل إلى تحقيق الحق الذي تسكن إليه النفوس وتطمئن إليه الألباب، لكنهم لم يروا أكمل منه في هذا الباب، فكان معهم كالملك مع الحجاب، وكان له من العظمة والمهابة في قلوب الموافقين له والمخالفين ما قد سارت به الركبان،

لما له من القدرة على تركيب الاحتجاج والاعتراض في الخطاب " (١) .

أما ما يدل على دخوله في الفلسفة فأمور:

أ - اهتمامه بكتب ابن سينا وغيره، ففي المباحث المشرقية اعتمد كثيراً على أقوال ابن سينا ونقلها، كما أنه شرح الإشارات، واختصرها، وشرح عيون الحكمة - وكلها لابن سينا - وقد سبق نقل كلام الرازي في مدحه وأنه قال عنه أنه أحسن من نقل كتب الأقدمين من الفلاسفة، واهتمام الرازي بهذه الكتب بحد ذاته يدل على إعجابه بها، وهو وإن نقد بعض فصولها إلا أنه في نفس الوقت وافقهم على ما في الفصول الأخرى.

ب - لم يقتصر الأمر على شرح كتب الفلاسفة، بل دافع عنها، حتى أنه لما ورد بخاري وسمع أن أحداً من أهلها أورد إشكالات على إشارات ابن سينا، رد عليه وناقشه في قصة ذكرها القزويني (٢) ، كما أنه دافع عن عموم الفلاسفة فقال في إحدى المناسبات: " وإذا أمكن تأويل كلام القوم على الوجه الذي فصلناه فأي حاجة بنا إلى التشنيع عليهم وتقبيح صورة كلامهم " (٣) .


(١) نقض التأسيس المخطوط (١/٦-٧) .
(٢) انظر: آثار البلاد وأخبار العباد (ص: ٣٧٨) .
(٣) المباحث المشرقية (١/٣٨٢-٣٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>