بل إن شيخ الإسلام يذكر أن هذا لقول جمهور علماء أصول الفقه، فيقول:" ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول، تصديقاً له، أو عملاً به، أنه يوجب العلم، وهذا هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة، ومالك والشافعي وأحمد، إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك، ولكن كثيراً من أهل الكلام أو أكثرهم يوافقون الفقهاء وأهل الحديث والسلف في ذلك، وهو قول أكثر الأشعرية كأبي إسحاق وابن فورك.
وأما ابن الباقلاني فهو الذي أنكر ذلك، واتبعه مثل أبي المعالي، وأبي حامد، وابن عقيل، وابن الجوزي، وابن الخطيب، والآمدي، ونحو هؤلاء، والأول هو الذي ذكره الشيخ أبو حامد، وأبو الطيب، وأبو إسحاق، وأمثاله من أئمة الشافعية، وهو الذي ذكره القاضي عبد الوهاب وأمثاله، وهو الذي ذكره أبو يعلى وأبو الخطاب وأبو الحسن بن الزاغوني، وأمثالهم من الحنابلة، وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع به، فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث، كما أن الاعتبار في الاجتماع على الأحكام بإجماع أهل العلم بالأمر والنهي والإباحة " (١) .
ويذكر شيخ الإسلام رأي ابن الصلاح واعتراض المعترضين فيقول بعد ذكره لنماذج عديدة من أحاديث الآحاد مما تلقته الأمة بالقبول عملا به أو تصديقا له، يقول:" فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من الأولين والآخرين، أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، مثل السرخسي وأبي بكر الرازي من الحنفية، وابن خواز منداد وغيره من المالكية، ومثل القاضي أبي يعلي وابن أبي موسى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية، ومثل أبي إسحاق الأسفراييني وابن فورك
(١) مقدمة في أصول التفسير (ص: ٦٧-٦٨) ، ت زرزور، وممن صرح بأنه قد يفيد خبر الآحاد العلم ممن ذكرهم ابن تيمية أبو إسحاق الأسفراييني كما في النكت لابن حجر (١/٣٧٧) ، والشيرازي في اللمع الذي ألفه بعد التبصرة (ص: ٤٠) ، والسرخسي في أصوله (١/٢٩١-٢٩٣) .