- فأما ما يرجع إلى المخبر فإن الصحابة الذين بلغوا الأمة سنة نبيهم كانوا أصدق لهجة، وأعظمهم أمانة، وأحفظهم لما يسمعونه، وخصهم الله من ذلك بما لم يخص به غيرهم، فكانت طبيعتهم قبل الإسلام الصدق والأمانة، ثم ازدادوا بالإسلام قوة في الصدق والأمانة، وكان صدقهم عند الأمة وعدالتهم وضبطهم وحفظهم عن نبيهم، أمراً معلوماً لهم بالاضطرار، كما يعلمون إسلامهم وإيمانهم وجهادهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من له أدنى علم بحال القوم يعلم أن خبر الصديق وأصحابه لا يقاس بخبر من عداهم، وحصول الثقة واليقين بخبرهم فوق الثقة واليقين بخبر من سواهم من سائر الخلق بعد الأنبياء، فقياس خبر الصديق على خبر آحاد المخبرين من أفسد قياس في العالم، وكذلك الثقات العدول الذين رووا عنهم هم أصدق الناس لهجة وأشدهم تحرياً للصدق والضبط، حتى لا تعرف في جميع طوائف بني آدم أصدق لهجة ولا أعظم تحرياً للصدق منهم، وإنما المتكلمون أهل ظلم وجهل يقيسون خبر الصديق والفاروق وأبي بن كعب بأخبار آحاد الناس، مع ظهور الفرق المبين بين المخبرين، فمن أظلم ممن سوى بين خبر الواحد من الصحابة وخبر الواحد من الناس في عدم إفادة العلم، وهذا بمنزلة من سوى بينهم في العلم والدين والفضل ".
- " وأما ما يرجع إلى المخبر عنه: فإن الله سبحانه تكفل لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، بأن يظهر دينه على الدين كله، وأن يحفظه حتى يبلغه الأول لمن بعده، فلابد أن يحفظ الله سبحانه حججه وبيناته على خلقه لئلا تبطل حججه وبيناته، ولهذا فضح الله من كذب على رسوله في حياته وبعد مماته وبين حاله للناس..".
- " وأما ما يرجع إلى المخبر به: فإنه الحق المحض، وهو كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كلامه وحي، فهو أصدق الصدق، وأحق الحق بعد كلام الله فلا يشتبه بالكذب والباطل على ذي عقل صحيح، بل عليه من النور والجلالة والبرهان ما يشهد بصدقه، والحق عليه نور ساطع يبصره ذو البصيرة السليمة، فبين المخبر الصادق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين المخبر الكاذب عنه من الفرق كما بين الليل والنهاء والضوء والظلام، وكلام النبوة متميز بنفسه عن غيره من الكلام