للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: " لقد حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله ابن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً " (١) ،وأقام عبد الله بن عمر في تعلم البقرة ثماني سنين (٢)

ثم قال شيخ الإسلام: " وهذا معلوم من وجوه:

"

أحدهما: أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن المنزل عليهم، لفظاً ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد، فإنه قدعلم أنه من قرأ كتاباً في الطب أو الحساب أو النحر أو الفقه، أو غير ذلك فإنه لابد أن يكون راغباً في فهمه وتصور معانيه، فكيف بمن قرأوا كتاب الله المنزل إليهم الذي به هداهم الله، وبه عرفهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشد والغي، فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات، بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثاً فإنه يرغب في فهمه، فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه؟ بل ومن المعلوم أن رغبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعريفهم معاني القرآن العظيم أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود إذ اللفظ إنما يراد للمعنى ".

" الوجه الثاني: أن الله قد حضهم على تدبره وتعقله واتباعه في غير موضع كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (صّ:٢٩) ،


(١) رواه الإمام أحمد في مسنده (٥/٤١٠) ، والحاكم في المستدرك (١/٥٥٧) ، والطبري في تفسيره (١/٨٠) ، ط شاكر، كلهم من طريق عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي، كما صححه أحمد شاكر في حاشية الطبري، ولكن الهيثمي قال في مجمع الزوائد (١/١٦٥) ،: " في إسناده عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره (انظر في ترجمة عطاء الكامل ٥/١٩٩٩، وميزان الاعتدال ٣/٧٠، والكاشف ٢/٢٦٥، وتهذيب التهذيب ٧/٢٠٣) ، ومما يلاحظ أن الذين رووا عن عطاء عند أحمد والحاكم والطبري هم شريك، وجرير، وابن فضيل، وهؤلاء ذكر ابن حجر وغيره أنخم رووا عن عطاء بعد اختلاطه - انظر التهذيب - حيث نص على ذكر جرير وابن فضيل، وأدخل معهما من كان في طبقتهما، وشريك من طبقتهما، والحديث يتقوى بالطريق الآخر الذي رواه ابن جرير، قبل الحديث السابق - عن الأعمش عن شقيق عن ابن سعود - وقد صححه أحمد شاكر.
(٢) رواه مالك في الموطأ كتاب القرآن، باب ما جاء في القرآن (١/٢٠٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>