للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عصرهم بكلام أهل البدع، وأنه أراد بذلك كلام مثل حفص الفرد وأمثاله، وإنه لما حدثت طائفة سمت ما في كتاب الله من الحجة عليهم متشابهاً، وقالوا بترك القول بالأخبار التي رواها أهل الحديث، وزعموا أن الأخبار التي حملت إليهم لا تصح في عقولهم، قام جماعة من أئمتنا، وبينوا أن جميع ما ورد في الأخبار صحيح في المعقول، وما ادعوه في الكتاب من التشابه باطل في العقول، وكانوا في القديم إنما يعرفون بالكلام أهل الأهواء، فأما أهل السنة والجماعة فمعولهم فيما يعتقدون الكتاب والسنة.. " (١) ، ثم قال شيخ الإسلام: " وهذا اتفاق من علماء الأشعرية - مع غيرهم من الطوائف المعظمين للسلف - على أن الكلام المذموم عند السلف، كلام من يترك الكتاب والسنة، ويعول في الأصول على عقله، فكيف بمن يعارض الكتاب والسنة بعقله؟ وهذا هو الذي قصدنا إبطاله، وهو حال أتباع صاحب الإرشاد الذي وافقوا المعتزلة في ذلك، وأما الرازي وأمثاله، فقد زادوا في ذلك على المعتزلة، فإن المعتزلة لا تقول: إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين، بل يقولون: إنها تفيد اليقين، ويستدلون بها أعظم مما يستدل بها هؤلاء " (٢) .

ولاشك أن متأخري الأشاعرة كان خوضهم في علم الكلام ومخالفتهم للكتاب والسنة أعظم وأشد من متقدميهم، وشيخ الإسلام بين أن هؤلاء قرروا أمرين: أحدهما: اتفاق السلف على أن علم الكلام مذموم، والثاني: أن من الكلام المذموم الاعتماد على أدلة العقول والقول بأن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين.

والأمر الثاني: أن البيهقي وابن عساكر زعما أن الشافعي قصد في ذم أهل الكلام حفصا الفرد لأنه قدري، وقد رد عليهم شيخ الإسلام بقوله: " قلت: حفص الفرد لم يكن من القدرية، وإنما كان على مذهب ضرار بن عمرو


(١) درء التعارض (٧/٢٧٣-٢٧٤) ، وقد سبق نقل هذه العبارات عنهم (ص: ٢٥٢) ، وهي في مناقب الشافعي للبيهقي (١/٤٦١-٤٦٢) ، والتبيين (ص: ٣٤٤-٣٤٥) .
(٢) درء التعارض (٧/٢٧٤-٢٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>