للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما مضرته: فإثارة الشبهات وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم، فذلك مما يحصل في الابتداء، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه، ويختلف فيه الأشخاص، فهذا ضرره في الاعتقاد الحق، وله ضرر آخر في تأكيد اعتقاد المبتدعة للبدعة، وتثبيته في صدورهم، بحيث تنبعث دواعيهم، ويشتد حرصهم على الإصرار عليه.

وأما منفعته: فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه (١) ، وهيهات، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة، وبعد الغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخرى تناسب نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود، ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور ولكن على الندور في أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكلام، بل منفعته شيء واحد وهو: حراسة العقيدة التي ترجمناها على العوام، وحفظها عن تشويهات المبتدعة بأنواع الجدل " (٢) .

هذه خلاصة أقوال بعض أئمة الأشعرية في علم الكلام المذموم، وقد ناقشهم شيخ الإسلام بما يلي:

١ - أما البيهقي وابن عساكر فقد علق على أقوالهم ببيان أمرين:

"

أحدهما: أن الذين يعظمون الأشعري وأمثاله من أهل الكلام - كالبيهقي وابن عساكر، وغيرهما - وقد عرفوا ذم الشافعي وغيره من الأئمة للكلام- ذكروا أن الكلام المذموم هو كلام أهل البدع، وقالوا: إنما كان يعرف


(١) يلاحظ أن الغزالي يقول هذا الكلام بعد عزلته التي ارتضى فيها وبعدها طريق أهل الكشف والتصوف.
(٢) الإحياء (١/٩٦-٩٧) ، وانظر: درء التعارض (٧/١٦٢-١٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>