للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثيراً ما يردد شيخ الإسلام في كتبه أن السلف ذموا الكلام لما فيه من الباطل المخالف للكتاب والسنة، أو لأن فيه رد بدعة ببدعة (١) .

ومسألة المصطلحات الحادثة سبق بيان منهج شيخ الإسلام فيها (٢) ، والذي تعلق بالموضوع هنا ما يذكره بعض أهل الكلام من الأشاعرة ونحوهم من أن السلف من الصحابة وغيرهم وما واجهوا البدع الحادثة والمصطلحات التي جاء بها أهل الفلسفة ومن سلك سبيلهم، وأنهم لو أدركوا هذه المصطلحات لتكلموا فيها كما تكلم فيها المتأخرون، وهذا فيه مغالطة واضحة، ولذلك ناقشه شيخ الإسلام مفصلاً فقال: " قول القائل: " إن الصحابة - رضي الله عنهم - ماتوا وما عرفوا ذلك " (٣) ،

فيه تفصيل: وذلك أن هذا الكلام فيه حق وباطل، فأما الباطل فهو مثل إثبات الجوهر الفرد، وطفرة النظام، وامتناع بقاء العرض زمانين، ونحو ذلك، فهذا لا يخطر ببال الأنبياء والأولياء من الصحابة وغيرهم، وإن خطر ببال أحدهم تبين له أنه كذب، فإن القول الباطل الكذب هو من باب مالا ينقض الوضوء، ليس له ضابط، وإنما المطلوب معرفة الحق والعمل به، وإذا وقع الباطل أنه باطل ودفع، وصار هذا كالنهي عن المنكر، وجهاد العدو، فليس كل شيء من المنكر رآه كل من الصحابة وأنكروه، ومع هذا فلا يقطع على كل صحابة بأنهم لم يعرفوا أمثال هذه الأقاويل، ويعرفوا بطلانها، فإنهم فتحوا أرض الشام ومصر والمغرب والعراق وخراسان، وكان بهذه البلاد من الكفار والمشركين والصابئين وأهل الكتاب من كان عنده من كتب


(١) انظر مثلاً: الصفدية (١/١٦٣) ، ودرء التعارض (١/١٧٨، ٢/٢٠٥-٢٠٧،٧/١٧٠/ ١٧٦، ١٨١، ١٨٣، ١٨٤،٨/٤٠٨) ، ومجموع الفتاوي (٣/٣٠٦) ، والكيلانية، مجموع الفتاوي (١٢/٤٦٠-٤٦١) ، والفرقان بين الحق والباطل، مجموع الفتاوي (١٣/١٤٧) ، وغيرها.
(٢) انظر: (ص: ٢٩٧) ، وما بعدها من هذه الرسالة.
(٣) القائل هو ابن عقيل الحنبلي في جواب سؤال حول قراءة علم الكلام، حيث ذكر الجواهر الفرد، والطفرة، والأحوال، والخلاء والملاء والجوهر والعرض.. ثم قال: " فإني أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا ذلك ولا تذاكروه.." انظر درء التعارض (٨/٤٨) ، وانظر: كلامه في تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص: ٨٢) ، ط منيرية، وقد ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوي (٤/١٠٥) ، عن الرازي أنه يزعم في مواضع أن الصحابة لم يعلموا شبهات الفلاسفة وما خاضوا فيها..

<<  <  ج: ص:  >  >>