للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبي الحسين وغيرهم، ومن اتبعهم من الأشاعرة، كالقاضي أبي بكر، وأبي المعالي، وأبي حامد، والرازي، ومن اتبعهم من الفقهاء يعظمون أمر الكلام الذي يسمونه أصول الدين، حتى يجعلون مسائله قطعية، ويوهنون من أمر الفقه الذي هو معرفة أحكام الأفعال، حتى يجعلوه من باب الظنون لا العلوم، وقد رتبوا على ذلك أصولاً انتشرت في الناس، حتى دخل فيها طوائف من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث، لا يعلمون أصلها ولا ما تؤول إليه من الفساد، مع أن هذه الأصول التي أدعوها في ذلك باطلة واهية.. ذلك أنهم لم يجعلوا الله في الأحكام حكماً معيناً، حتى ينقسم المجتهد إلى مصيب ومخطئ، بل الحكم في حق كل شخص ما أدى إليه اجتهاده، وقد بينا.. ما في هذا من السفسطة والزندقة، فلم يجعلوا لله حكماً في موارد الاجتهاد أصلاً، ولا جعلوا له على ذلك دليلاً أصلاً، بل إن ابن الباقلاني، وغيره يقول " (١) ، ثم ناقش بعض المسائل التي يوردونها في أصول الفقه ثم يقول: " والمقصود هنا ذكر أصلين هما: بيان فساد قولهم: الفقه من باب الظنون، وبيان أنه أحق باسم العلم من الكلام الذي يدعون أنه علم، وأن طرق الفقه أحق بأن تسمى أدلة من طريق الكلام. والأصل الثاني في بيان أن غالب ما يتكلمون فيه من الأصول ليس بعلم ولا ظن صحيح، بل ظن فاسد، وجهل مركب " (٢) .

فأهل الكلام جعلوا أصولهم الكلامية - الخاطئة والتي يعارض فيها بعضهم بعضاً - أصولاً قطعية، وجعلوا أحكام الشرع من باب الظنون، وهذا قلب للحقائق. كما أن إدخالهم للمسائل الكلامية في أصول الفقه هو من الانحراف الذي ابتدعه أهل الكلام (٣) .

ز - وأخيراً فإن من أهم ردود شيخ الإسلام على أهل الكلام وبيان ما فيه هذا العلم من الباطل أن شيوخه وأعلامه رجعوا عنه وحذروا منه، وهذه مسألة مهمة سيأتي تفصيلها في فقرة مستقلة ضمن منهجه العام في الرد على الأشاعرة.


(١) الاستقامة (١/٤٧-٤٩) .
(٢) انظر: المصدر السابق (١/٥٤) .
(٣) انظر: المصدر السابق (١/٥٠-٦٩) ، وانظر: " تنبيه الرجل العاقل " عن العقود الدرية لابن عبد الهادي (ص:٣٣-٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>