ولكن ما قام به شيخ الإسلام كان من القوة والتأثير بحيث أصبح يمثل مرحلة بارزة من مراحل كل من مذهب الأشاعرة ومذهب السلف أيضا.
والثاني: أن مجيئه في وقت متأخر- حيث ولد سنة ٦٦١ هـ وتوفي سنة ٧٢٨ هـ- وفر له وسائل الاطلاع على ما انتهى إليه هؤلاء الأشاعرة في شرح مذهبهم، والاستدلال له والرد على خصومه، ومن ثم تميزت ردود شيخ الإسلام ومناقشاته لهم بالقوة والعمق والشمول، وكشف خبايا هذا المذهب وتناقضاته، وتسجيل اعترافات شيوخه وردود بعضهم على بعض. ولا شك ان هذه الأمور لها أثر كبير في بيان فساد أقوال الخصوم وتهافت أدلتهم.
ومذهب الأشاعرة لا يزال موجودا ومنتشرا- معتمدا على الأصول التي انتهى إليها المذهب الأشعري قبيل عهد ابن تيمية- ولم يحدث له تطور آخر، وإنما بقى معتمدا على من سبقه، ومن ثم فالرد عليه وبيان ما فيه من مخالفة لمذهب السلف لابد أن يكون معتمدا على ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا واقع الحال، فقلما يتصدى أحد للرد على المعتزلة أو الأشاعرة أو المتصوفة أو الرافضة أو غيرهم إلا ويكون جل اعتماده في ذلك- بعد الكتاب والسنة وأقوال السلف- على ردود ومناقشات هذا الإمام العظيم.
٣- أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان صاحب منهج واضح ومحدد، سار فيه على وتيرة واحدة في جميع كتبه، لم تتغير طريقته، ولم تتناقض أقواله، مع كثرة كتبه، وطولها، وتشعب مسائلها، كا أن قناعته بمذهب السلف، وأن الحق كل الحق فيه، وأن ما عداه من الآراء والأقوال المبتدعة إما ضلال أو انحراف، أو في مذهب السلف ما يغني عنه تمام الغنى- لم تتغير أو تضعف. ولذلك كانت هناك أهمية خاصة لما كتبه في بيان عقيدة السلف والمنهج الصحيح في تقريرها، وكذلك ما كتبه في الرد على مخالفي عقيدة أهل السنة والجماعة والمنهج الصحيح لذلك.
٤- وأخيرا فمما يلاحظ أن ردود شيخ الإسلام على كثير من الطوائف التي كانت أشد انحرافا من الأشاعرة، كالفلاسفة، وغلاة الصوفية، والمعتزلة،