للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل هذه الأمور محتملة ولابد من البيان، أما الإطلاق الأمر وإجماله فليس بسديد، وهنا يوضح شيخ الإسلام هذه الاحتمالات بقوله: " إما أن يريد به القطعيين، فلا نسلم بإمكان التعارض حينئذٍ " لأن القطعي لا يمكن أن يعارضه قطعي آخر. " وإما أن يريد به الظنيين، فالمقدم هو الراجح مطلقاً " سواء كان العقل أو النقل، وحينئذٍ فتقديمه لرجحانه فقط لا لكونه عقلاً أو نقلاً، " وإما أن يريد به ما أحدهما قطعي، فالقطعي هو المقدم مطلقاً، وإذا قدر أن العقلي هو القطعي كان تقديمه لكونه قطعياً لا لكونه عقلياً "، ثم ينتهي شيخ الإسلام بهذه النتيجة بقوله: " فعلم أن تقديم العقلي مطلقاً خطأ، كما أن جعل جهة الترجيح كونه عقلياً خطأ " (١) .

وقد يعجب المرء في هذا الكلام الذي يقوله شيخ الإسلام وما يحمل في ظاهره من إعلاء لشأن العقل وكأنه قد يصل إلى منزلة النقل، وشيخ الإسلام يقول هذا قاصداً تفتيت هذا القانون الذي وضعوه، وأن المنطق السليم يقتضي أن يفصل الأمر فيه وأن يقسم كل من العقلي والنقلي إلى مقطوع ومظنون سواء من ناحية الثبوت أو الدلالة، ومع ذلك كله فلا يمكن أن يتعارض العقل الصريح والنقل الصحيح أبداً.

وينتج من هذا أن حصر الاحتمالات بأربعة - وهي تقديم السمعي مطلقاً أو تقديم العقلي مطلقاً، والجمع بين النقضين، أو رفع النقيضين - غير سديد إذ هناك قسم آخر وهو أنه " يقدم العقلي تارة، والسمعي أخرى، فأيهما كان قطعياً قدم -وإن كانا جميعاً قطعين فيمتنع التعارض - وإن كانا ظنيين فالراجح هو المقدم " (٢) وهذا هو التقسيم الصحيح، أن يفصل الأمر والله تبارك وتعالى أنزل الميزان بالحق.

ب - يقول قانونهم: " وإما أن يقدم السمع، وهو محال؛ لأن العقل أصل النقل، فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحاً في العقل الذي هو أصل النقل " (٣) فيقال: ماذا تقصدون بقولكم: إن العقل أصل النقل؟


(١) درء التعارض (١/٨٦-٨٧) .
(٢) المصدر السابق (١/٨٧) .
(٣) المصدر نفسه (١/٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>