للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أريد به أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر، فهذا لا يقوله عاقل لأن الشيء الثابت في نفس الأمر هو ثابت، سواء علم دليل ثبوته أو لم يعلم فهو في نفسه ثابت، فلو فرض أنا جهلنا الدليل، فعدم العلم بالدليل لا يعني عدم المدلول يقول شيخ الإسلام: " فما أخبر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - هو ثابت في نفس الأمر، سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه، ومن أرسله الله إلى الناس فهو رسوله، سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا، وما أخبر به فهو حق وإن لم يصدقه الناس ... " (١) .

أما إن أُريد به أن العقل أصل في معرفتنا بالسمع ودليل لنا على صحته - وهذا هو الذي أرادوه - فيرد شيخ الإسلام متسائلاً عن المقصود بالعقل: هل هو الغريزة التي تميز الإنسان من الحيوان، أم المقصود العلوم التي تستفاد من تلك الغريزة، أما العقل بمعنى الغريزة فلا يمكن أن يراد " لأن تلك الغريزة ليست علماً يتصور أن يعارض النقل، وهي شرط في كل علم عقلي أو سمعي كالحياة وما كان شرطاً في الشيء امتنع أن يكون منافياً له " (٢) ، أما إن أراد بالعقل العلوم الحاصلة بالعقل فالجواب من وجوه:

- أن المعارف العقلية كثيرة جداً، وهذه ليست كلها أصلاً للسمع بل الدليل على صحتها منها ما يعلم به صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

- ثم إن الأدلة العقلية ليست كلها يعلم بها صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل الذي يعلم به صدقه منها قليل.

- أن أعلام الأشاعرة يقولون: إن العلم بصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند ظهور المعجزات منها قليل.

- بل إن دلائل صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها طرق كثيرة متنوعة، وهي لا تتوقف على المعجزات وحدها.


(١) درء التعارض (١/٨٨) .
(٢) المصدر نفسه (١/٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>