للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - وهناك وجه آخر، مترتب على الوجه السابق، وهو أن يقال: إذا علم صدق الرسول وصحة السمع، فهل يعلم أنه أخبر بمحل النزاع، أو يظن، أو لا يعلم ولا يظن.

أما الأول: فإنه إذا علم وتيقن يمتنع أن يعارضه المعقول الصريح.

أما الثاني: وهو ما إذا كان مظنوناً، وحينئذٍ فإذا عارضه العقل الصريح وجب تقديم العلم على الظن، لا لكونه معقولاً.

وأما الثالث: فلا تقع فيه المعارضة.

وبهذا يتبين أن ما جزموا به من تقديم العقل مطلقاً باطل (١) .

جـ - أن يقال لهم " العقل ملزوم لعلمنا بالشرع ولازم له، ومعلوم أنه إذا كان اللزوم من أحد الطرفين، لزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ومن نفي اللازم نفي الملزوم، فكيف إذا كان التلازم من الجابين.. وبيان ذلك هاهنا: أنه إذا كان العقل هو الأصل الذي به عرف صحة الشرع، كما قد ذكروا هم ذلك، وقد تقدم أنه ليس المراد بكونه أصلاً له أنه أصل في ثبوته في نفسه وصدقه في ذاته، بل هو أصل في علمنا به، أي دليل لنا على صحته، فإذا كان كذلك فالدليل يجب طرده، وهو ملزوم للمدلول عليه، فيلزم من ثبوت الدليل ثبوت المدلول عليه، ولا يجب عكسه، فلا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول عليه، وهذا كالمخلوقات، فإنها آية للخالق، فيلزم من ثبوتها ثبوت الخالق، ولا يلزم من وجود الخالق وجودها، وكذلك الآيات الدالات على نبوة النبي. (٢) .. ".

وهذه أهم المناقشات التي أفحم فيها شيخ الإسلام أصحاب هذا القانون الفاسد، وينبغي أن يلاحظ أن أصحاب هذا القانون قد ثبت عندهم صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نبوته، ومعنى ذلك أن صدق الرسول عندهم وعند غيرهم


(١) درء التعارض (١/١٣٧) .
(٢) المصدر السابق (٥/٢٦٨-٢٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>