من أهل الإسلام ثابت في نفس الأمر، لكن هؤلاء يقولون: إن دليل ثبوته جاء بالدليل العقلي، ثم ركبوا قانونهم وقالوا: العقل أصل السمع، ويستنتج من ذلك أنهم يقولون:
- إن العقل أصل في علمنا بصحة الشرع ودليل عليه، وليس أصلاً في ثبوته في نفس الأمر.
- وكذلك هم يقولون صدق الرسول ثابت في نفس الأمر، أي أنهم وهم يقولون بهذا القانون لا ينكرون صحة نبوة الرسول، فهي ثابتة عندهم بدليلها العقلي.
فشيخ الإسلام يقول لهم: على فرض أن صحة الشرع لا تعلم إلا بالدليل العقلي - والواقع أنها تعلم بطرق كثيرة وأئمتهم معترفون بذلك - فإن النتيجة ضدهم، لأنه يلزم من علمنا بصحة الشرع علمنا بصحة الدليل العقلي الدال عليه، كما يلزم من علمنا بذلك الدليل العقلي علمنا بصحة الشرع، أما مسألة ثبوته في نفس الأمر فإنه يلزم من ثبوت ذلك الدليل، وهذا كما أن المخلوقات دالة على وجود الله، فيلزم من وجودها في نفس الأمر وجود الله، لكن لا يلزم من وجود الخالق سبحانه وتعالى وجود المخلوقات، ومثله ثبوت النبوة فإنه يلزم من وجود دلالة النبوة - كالمعجزة - صدق النبي، لكن لا يلزم من عدم وجود هذه الدلالة عدم صدق النبي، لأن نبوته قد تثبت بطرق أخرى.
وحينئذٍ فإذا كان الشرع ثابتاً في نفس الأمر، فلا يلزم من ثبوته ثبوت الدليل العقلي الدال عليه، لأنه قد يكون ثبت بأدلة أخرى، وإذا افترض ثبوت الدليل العقلي في نفس الأمر، وثبوت المدلول الشرعي في نفس الأمر لم يكونا بمنزلة واحدة - كما فعلوا في قانونهم الفاسد - لأن الشرع أقوى حيث يلزم من ثبوته ثبوت الدليل العقلي؛ لا العكس، وهذا على فرض أن الدليل الشرعي قد يعلم بأدلة أخرى.
أما إذا حصروا صحة الدليل الشرعي بهذا الدليل العقلي لا غير، كان غاية الأمر أن يكونا متلازمين، وحينئذٍ فالقدح في الشرع قدح في دليله العقلي