للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها غير معارضة لهذا الظاهر " - يقول الرازي -: " فثبت أنه لا يمكن حصول اليقين بعدم ما يقتضي خلاف الدليل النقلي، وثبت أن الدليل النقلي يتوقف إفادته اليقين على ذلك، فإذا الدليل النقلي تتوقف إفادته على مقدمة غير يقينية وهي عدم دليل عقلي، فوجب تأويل ذلك النقل.. ثم قال: " فخرج مما ذكرناه أن الدلالة النقلية لا يجوز التمسك بها في المسائل العلمية.." (١) .

قال شيخ الإسلام معلقاً على كلام الرازي هذا " قلت فليتدبر المؤمن العاقل هذا الكلام، مع أنه قد ينزل فيه درجة، ولم يجعل عدم إفادته اليقين إلا لتجويز المعارض العقلي، وإلا فهو وغيره في موضع آخر -ينفون أن يكون الدليل السمعي مفيداً لليقين لكون موقوفاً على مقدمات ظنية كنقل اللغة والنحو التصريف، وعدم المجاز، والاشتراك، والنقل والإضمار، والتخصيص وعدم المعارض السمعي أيضاً مع العقلي (٢) ، وبهذا دفع الآمدي (٣) ، وغيره الاستدلال بالأدللة السمعية في هذا الباب.. والمقصود هنا أن نبين اعترافهم بما ألزمناهم به، وإذا كان كذلك فيقال: نحن نعلم بالاضطرار من دين الرسول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أخبر أمته بما أخبرهم به من الغيب من أسماء الله وصفاته وغير ذلك، فإنه لم يرد منهم ألا يقروا بثبوت شيء مما أخبر به إلا بدليل منفصل غير خبره، فإذا كان القول مستلزماً لكون الرسول أراد أن لا يثبت شيء بمجرد خبره، وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه كذب على الرسول، علم أن هذا القول معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام " (٤) .

بقي إن يقال أن الرازي لما قسم المطالب إلى ثلاثة أقسام، جعل منها قسماً لا يعلم إلا بالسمع وهو ما ترجع فيه أحد طرفي الممكن على الآخر (٥) ، فهل يتمشى هذا مع ما قاله سابقاً عن الظواهر النقلية أنها مظنونة وأنها لا تفيد اليقين؟


(١) نهاية العقول (١٤ - ب) ونقله في درء التعارض (٣٣١-٣٣٣) .
(٢) انظر: أساس التقديس للرازي (ص: ١٨٢) .
(٣) انظر: أبكار الأفكار (٤١-ب) .
(٤) انظر: درء التعارض (٥/٣٣٥-٣٣٦) .
(٥) انظر: نهاية العقول (١٤- أ) ، ودرء التعارض (٥/٣٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>