للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء في المراد بها (١) ، ورجح أن المقصود بها فطرة الإسلام (٢) ، وذكر أن الأدلة العقلية تدل على صدق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن كل مولود يولد على الفطرة (٣) ، ثم استشهد بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذريات:٥٦) ، وذكر الخلاف في الآية حول المقصود بالعبادة، وهل وقعت منهم جميعاً أو من بعضهم (٤) ، ثم بين أنه على جميع الأقوال فالآية دالة على " أن جميع الإنس والجن مقرون بالخالق معترفون به، مقرون بعبوديته طوعاً وكرها، وذلك يقتضي أن هذه المعرفة من لوازم نشأتهم، وأنه لم ينفك عنها أحد منهم، مع العلم أن النظر المعين الذي يوجبه الجهمية والمعتزلة لا يعرفه أكثرهم، فعلم بذلك ثبوت المعرفة والإقرار بدون هذا النظر" (٥) .

وبعد أن ربط بين موضوع الفطرة وما يقوله كثير من أهل الكلام وغيرهم من أن المعرفة قد تحصل بغير العقل (٦) ، قال شيخ الإسلام: " قد ذكرنا ماتيسر من طرق الناس في المعرفة، ليعرف أن الأمر في ذلك واسع وأن ما يحتاج الناس إلى معرفته، مثل الإيمان بالله ورسوله، فإن الله يوسع طرقها وييسرها، وإن كان الناس متفاضلين في ذلك تفاضلاً عظيماً، وليس الأمر كما يظنه كثير من أهل الكلام من أن الإيمان بالله ورسوله لا يحصل إلا بطريق يعينونها " (٧) .

والطرق التي سلكها هؤلاء في إثبات حدوث العالم جمعت وصفين: " أن الجمهور ليس في طباعهم قبولها، ولا هي مع هذا برهانية، فليست تصلح لا للعلماء ولا للجمهور " (٨) ، وقد سبقت الإشارة إلى نقد ابن رشد


(١) انظر: درء التعارض (٨/٣٥٩) ، إلى نهاية الجزء، وقد اعتمد في نقل الأقوال فيها على ما ذكره ابن عبد البر في التمهيد، انظر: درء التعارض (٨/٣٦٦-٤٤٤) ، وقارن النصوص بما في التمهيد في الجزء المطبوع أخيراً (١٨/٥٧-٩٣) ، مع ملاحظة أن النقول فيها تقديم وتأخير.
(٢) انظر: درء التعارض (٨/٣٧١-٤١٠) .
(٣) انظر: المصدر السابق (٨/٤٥٦) وما بعدها.
(٤) انظر: المصدر نفسه (٨/٤٦٨-٤٧٩) .
(٥) درء التعارض (٨/٤٧٩-٤٨٠) ، وانظر أيضاً (٨/٤٨٢) .
(٦) انظر: المصدر السابق (٩/٣-٦٦) .
(٧) المصدر نفسه (٩/٦٦) .
(٨) المصدر نفسه (٩/٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>