للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر شيخ الإسلام نماذج أخرى (١) ، ويلاحظ هنا أن شيخ الإسلام اقتصر على ذكر وجه التناقض، ولم يكن هدفه أن يبين وجه الحق في في كل مسألة ذكرها، فمثلا في المسألة الأخيرة التي فرقوا فيها بين الصفات والأعراض فقالوا إن الأعراض إذا قامت بالمحل دلت على حدوثه، وأما الصفات فهي قائمة بالله ولا تدل على حدوثه، بين شيخ الإسلام أن هذا تناقض لأن قيام الأعراض إن دلت على الحدوث فالصفات كذلك، وقيام الصفات إن لم تدل على الحدوث فالأعراض كذلك، والمقصود أن لا يفهم من ظاهر عبارة الشيخ أنه ينكر قولهم: إن الصفات قائمة بالرب ولا تدل على حدوثه، بل هو ينكر ويبين تناقضهم، وإلا فالله تعالى تقوم به الصفات، كما أنه تعالى يتكلم إذا شاء متى شاء، وينزل ويجيء إذا شاء - وهذه وإن سموها أعراضا - فهي لا تدل على حدوث البارئ تعالى.

٢- ومن الأمثلة على تناقض الأشاعرة أنهم في مسألة الترجيح بلا مرجح مرة يقولون: إن القادر المختار يرجح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، ومرة يقولون بعكس ذلك وأن القادر لا يرجح أحد طرفي الممكن إلا بمرجح، وسبب التناقض اختلاف الحالة التي يستدلون لها: فإنهم إن كانوا في موقع مناظرة الفلاسفة الدهرية حول حدوث العالم، ردوا عليهم بقولهم " إن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وقالوا: إن ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بغير مرجح يصح من القادر المختار ولا يصح من العلة الواجبة " (٢) ، ويلاحظ أن هذا جواب للمعتزلة أيضا يجيبون به الفلاسفة. وإن كانوا في موقع الرد على القدرية المعتزلة في مسألة خلق أفعال العباد وأن الله هو الخالق لها ردوا عليهم بقولهم: " إنه لا يتصور ترجيح الممكن، لا من قادر ولا من غيره إلا بمرجح يجب عنده وجود الأثر " (٣) ، يقول شيخ الإسلام معلقا على الأشاعرة: " فهؤلاء إذا ناظروا الفلاسفة في مسألة حدوث العالم لم يجيبوهم إلا بجواب المعتزلة، وهم دائما إذا ناظروا المعتزلة في مسائل القدر يحتجون عليهم بهذه الحجة التي احتجت بها


(١) انظر المصدر السابق (ص: ٢٦٠ - ٢٦١) .
(٢) انظر: درء التعارض (٩/١٦٦) .
(٣) المصدر السابق (١/٣٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>