للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفلاسفة، فإن كانت هذه الحجة صحيحة بطل احتجاجهم على المعتزلة، وإن كانت باطلة بطل جوابهم للفلاسفة. وهذا غالب على المتفلسفة والمتكلمين المخالفين للكتاب والسنة تجدهم دائماً يتناقضون، فيحتجون بالحجة التي يزعمون أنها برهان باهر، ثم في موضع آخر يقولون: إن بديهة العقل يعلم بها فساد هذه الحجة" (١) .

وهذا يشبه تناقض الأشاعرة في مسألة أصوات العباد، حيث إنهم حينما يردون على المعتزلة يقولون: إنها ليست فعلاً للعباد، فإذا جاءوا إلى مسألة القرآن قالوا: أصوات العباد فعل لهم وهذا تناقض (٢) .

٣- وفي موضوع النبوات وما يتعلق بها من المعجزات الدالة على صدق الأنبياء ذكر شيخ الإسلام جوانب كثيرة دالة على تناقضهم:

من ذلك أن بعضهم يقول: إن دلالة المعجزة على التصديق معلومة بالاضطرار، ثم يقولون: إن الله لا يفعل لحكمة، وليست أفعاله تعالى معللة. وهذا تناقض إذ كيف تدل المعجزة - التي هي من أفعال الله ومفعولاته - على صدق النبي، والله لا يفعل لحكمة أبداً؟ يقول شيخ الإسلام: "وأما الطريقة الثانية وهي أجود وهي التي اختارها أبو المعالي وأمثاله، فهو أن دلالة المعجز على التصديق معلوم بالاضطرار، وهذه طريقة صحيحة لمن اعتقد أن الله يفعل لحكمة، وأما إذا قيل: إنه لا يفعل لحكمة انتفى العلم الاضطراري. والأمثلة التي يذكرونها كالملك الذي جعل آية لرسوله خارجاً عن عادته، إنما دلت للعلم بأن الملك يفعل شيئاً لشيء، فإذا نفوا هذا بطلت الدلالة" (٣) .

ومثل ذلك من علق صدق النبوة على القدرة، وأن الله قادر على أن يميز بين الصادق والكاذب، إنما صح ذلك مع إثبات الحكمة والتعليل، أما مع نفيها فهو متناقض (٤) .


(١) انظر: درء التعارض (١/٣٢٦) .
(٢) انظر: الصفدية (١/١٥٤) .
(٣) النبوات (ص: ٣٦١) ، وانظر (ص: ٥٦) .
(٤) انظر: المصدر السابق (ص: ٣٦١-٣٦٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>