للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما رجوع كثير منهم عما كان عليه وتعويله على الكتاب والسنة ففيه دلالة قوية على بطلان ما كانوا عليه، وهو حجة قاطعة على أن تعويل السلف على النصوص الواردة عن الله وعن رسوله - - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عن جهل بما عداها مما هو موجود في عهدهم من مذاهب اليونان وغيرها، وإنما كان نابعاً من اعتقاد جازم وإيمان عميق أن الهدى والرشاد والطمأنينة القلبية لن تكون إلا باتباع الوحي المنزل.

وشيخ الإسلام وهو يذكر ما في رجوع أهل الكلام من الخير لهم ولغيرهم إلا أنه يثير مشكلة كتبهم التي انتشرت وتناقلها الناس فيقول: "وأما اعتراف المتكلمة من الإسلاميين فكثير، وقد جمع العلماء فيه شيئاً، وذكروا رجوع أكبارهم عما كانوا يقولونه، وتوبتهم، إما عند الموت، وإما قبل الموت، وهذا من أسباب الرحمة إن شاء الله في هذه الأمة، فإن الله يقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات، وهذا أصح القولين في قبول توبة الداعي، لكن بقاء كتبهم وآثارهم محنة عظيمة في الأمة، وفتنة عظيمة لمن نظر فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله" (١) .

إن شيخ الإسلام وهو يقول هذا الكلام الرقيق، بحيث يجعل رجوع هؤلاء من أسباب الرحمة في هذه الأمة لأن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده، لا ينسى الجانب الآخر وهو أن هؤلاء تابوا ورجعوا ولكن كتبهم بقيت، يتناقلها الناس ويفتنون بها، وهذا يفسر ما قام به شيخ الإسلام من ردود طويلة على هؤلاء وعلى كتبهم، وإن كان قد أثر عنهم التوبة والرجوع.

وعلماء وفضلاء الأشعرية معترفون بما في مذهب الأشعري من إشكالات حتى إن العالم الفاضل المجاهد العز بن عبد السلام لما قيل له في مسألة القرآن: كيف يعقل شيء واحد هو أمر ونهي وخبر واستخبار؟ قال رحمه الله: "ما هذا بأول إشكال ورد على مذهب الأشعري" (٢) .


(١) الاستقامة (١/٧٩-٨٠) .
(٢) التسعينية (ص: ٢٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>