فإن الفلاسفة لما رأوا تناقضهم في ذلك قالوا: لما كان دليلكم متناقضاً صح قولنا بقدم العالم لأنكم لم تستطيعوا الاستدلال على إفساده.
٢- خوض المتكلمين في التأويل لنصوص العلو والصفات، فقالت الملاحدة من الفلاسفة والباطنية ونحن أيضاً نتأول نصوص المعاد، أو نصوص الأحكام الشرعية.
وقبل الانتقال إلى بيان تعليق شيخ الإسلام على ذلك، نعرض رأي الأشاعرة في هذه المسألة، والملفت للنظر - حسب ما اطلعت عليه من كتب الأشاعرة - أن غالب الأشاعرة لم يذكروها أو لم يعروها اهتماماً، والذي عرض لها - على حد علمي - هو من خاض في الفلسفة منهم، وبالتحديد الغزالي والرازي.
أما الغزالي فقد ذكر ذلك في ثلاثة من كتبه، هي تهافت الفلاسفة، وفضائح الباطنية، وإحياء علوم الدين، وأما الرازي فقد ذكرها في اثنين من كتبه هما: نهاية العقول، والأربعين في أصول الدين، فماذا أجاب هؤلاء وكيف ناقشوا هذا الموضوع الخطير؟
يقول الغزالي عن نصوص المعاد وحشر الأجساد والجنة والنار- في أثناء رده على الفلاسفة الذين حصروا السعادة بسعادة النفوس والأرواح دون الأجساد (١) - " فإن قيل: ما ورد في الشرع [أي من نصوص المعاد] أمثال ضربت على حد أفهام الخلق، كما أن الوارد من آيات التشبيه وأخباره أمثال على حد فهم الخلق، والصفات الإلهية مقدسة عما يتخيله عوام الناس؟ يقول الغزالي: " والجواب أن التسوية بينهما تحكم، بل هما يفترقان من وجهين:
(١) ذكر ابن سينا في النجاة (ص: ٢٩١) - ط الكردي أن المعاد قسمان: بدني، جاءت به الشريعة، ولا يمكن إثباته إلا بها. والحكماء لا يكادون يلتفتون إلى هذا، والثاني: عقلي وهو الذي يكون للنفوس، ثم شرح ذلك بما ينقض ويرد النوع الأول، وانظر: تعليق سليمان دنيا في حاشية تهافشت الفلاسفة (ص: ٢٩٤-٢٩٥) .