للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن الألفاظ الواردة في التشبيه تحتمل التأويل على عادة العرب في الاستعارة، وما ورد في وصف الجنة والنار، وتفصيل تلك الأحوال بلغ مبلغاً لا يحتمل التأويل، فلا يبقى إلا حمل الكلام على التلبيس بتخييل نقيض الحق لمصلحة الخلق، وذلك ما يتقدس عنه منصب النبوة، الثاني: أن أدلة العقول دلت على استحالة المكان والجهة والصورة ويد الجارحة وعين الجارحة، وإمكان الانتقال والاستقرار على الله سبحانه وتعالى. فوجب التأويل بأدلة العقول، وما وعد به من أمور الأخرة ليس محالاً في قدرة الله تعالى فيجب إجراؤه على ظاهر الكلام، بل على فحواه الذي هو صريح فيه " (١) . وقال في فضائح الباطنية - ويلاحظ أنه في هذين الكتابين يتبنيى مذهب الأشاعرة - " فإن قيل فهلا سلكتم هذا المسلك في التمثيلات الواردة في صفات الله تعالى من آية الاستواء وحديث النزول ولفظ القدم.. إلى غير ذلك من أخبار لعلها تزيد على ألف، وأنتم تعلمون أن السلف الصالحين ما كانوا يؤولون هذه الظواهر، بل كانوا يجرونها على الظاهر، ثم إنكم لم تكفروا منكر هذه الظواهر، بل اعتقدتم التأويل وصرحتم به - قلنا: كيف تستتب هذه الموازنة والقرآن مصرح بأنه {ليسيَ كَمثْلِهِ شًيْء} (الشورى: ١١) ، والأخبار الدالة عليه أكثر من أن تحصى، ونحن نعلم أنه لو صرح مصرح فيما بين الصحابة بأن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان ولا يماس جسماً ولا ينفصل عنه بمسافة مقدرة وغير مقدرة ولا يعرض له انتقال وجيئة وذهاب وحضور وأفول، وأنه يستحيل أن يكون من الآفلين والمنتقليين والمتمكنين إلى غير ذلك من نفي صفات التشبيه لرأوا ذلك عين التوحيد [والتنزيه (٢) ]

ولو أنكر الحور والقصور والأنهار والأشجار والزبانية والنار لعد ذلك من أنواع الكذب والإنكار، ولا مساواة بين الدرجتين " (٣) . ثم أحال مع زيادة وشرح على ماسبق أن ذكره في نفس الكتاب (٤) - وهو مقارب جداً لما أورده


(١) تهافت الفلاسفة (ص: ٢٩١-٢٩٣) ، - ت سليمان دنيا.
(٢) في المطبوعة - ت بدوي [والتنزيل] وهو تحريف أو خطأ مطبعي..
(٣) فضائح الباطنية (ص: ١٥٤-١٥٥) .
(٤) انظر: المصدر السابق (ص: ٥٣-١٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>