للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المعاصر لابن تيمية -: " فإن قالوا: هذا ينقلب عليكم، فإنكم تجوزون تأويلات الظواهر كما أولتم اليد والوجه ولفظ الاستواء وغيرها، قلنا: هيهات ما أبعد هذا القلب وأعمى قلب صاحبه عن الحق، فإن لنا معياراً صادقاً وفيصلاً فارقاً في التأويل، وهو نظر العقل، فإن دل العقل على بطلان ظاهر اللفظ وكان له معنى سائغ في اللغة بطريق التجوز حملناه عليه، فلما دل العقل على بطلان اليد والوجه وغيرها لأنها من سمات الحوادث حملنا ذلك على معانٍ سائغة في اللغة بطريق المجاز " (١) ، وهذا هو جواب الغزالي، أما كتب الباطنية نفسها فقد نصت على التأويل وأن تأويلاًَ ليس ألأولى من تأويل (٢) .

هذه أجوبة المتكلمين - أشاعرة ومعتزلة - على هذا المأزق الذي أوقعهم فيه ملاحدة الفلاسفة والباطنية، والملاحظ أن الفلاسفة جعلوا النصوص الواردة في الصفات والمعاد نسقاً واحداً، وقالوا إن المقصود بها خطاب الجمهور، أما الخاصة - من أهل الحكمة - فيتأولونها كلها.

فابن سينا جعل الشرع والملل الآتية على لسان الأنبياء برام بها خطاب الجمهور كافة - وقد سبقت الإشارة إلى قانونه هذا (٣) ، وقد بنى تطاوله على المتكلمين على مايلي:

١- أن قول المتكلمين بأن هناك نصوصاً تقبل التأويل وأنها من قبيل المجاز ويمثلون لذلك بنصوص الصفات مثل: اليد والوجه والإتيان والاستواء والضحك والغضب وغيرها. فكذلك يقال في نصوص المعاد، يقول ابن سينا: " والمواضع التي يوردونها حجة في أن العرب تستعمل هذه المعاني بالاستعارة والمجاز على غير معانيها الظاهرة مواضع في مثلها تصلح أن تستعمل على هذا الوجه


(١) مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار (ص: ٩٠) ، وانظر (ص: ١٧١-١٧٦) - ط الثالثة.
(٢) انظر مثلاً: تاج العقائد للداعي الإسماعيلي اليمني علي بن محمد بن الوليد (ص: ١١٣-١١٧) حيث نص على أن تأويلهم ليس بأولى من تأويل المتكلمين.
(٣) انظر: ما سبق (ص: ٦٢٩) ، عند الكلام على الغزالي ومنهجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>