للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو دائما يركز على وجوب الاهتمام بصحة نسبة الأقوال إلى أصحابها، ولما كان البحث هنا في أول مسألة من المسائل التى خالف فيها الأشاعرة مذهب أهل السنة، ناسب ذكر هذه المسألة التى تدل على خطأ منهجي وعلمي يمارسه كثير من أهل الكلام، والأمر الثاني: أن شيخ الِإسلام ضرب مثالا برجل حنبلي، وخطأه فيما نسب إلى أئمة الحنابلة من أقوال حين شمل بتعميمه جميع الحنابلة من كان منهم سائرا على مذهب السلف ومن كان خائضا فيما خاض فيه أهل الكلام، وكأن شيخ الاسلام قصد أن هذا الأسلوب إذا كان قد وقع لبعض الحنابلة حين نسبوا إلى بعض أئمتهم ما لم يقولوه فلأن يقع في غيرهم من باب أولى، ومع ذلك فهو يدل على العدل والِإنصاف الذي تحلى به شيخ الإسلام في أحكامه وأقواله؛ إذ لم يمنعه ميله إلى الحنابلة ودفاعه عنهم بأنهم أقل الطوائف انحرافا- وإن كان قد يوجد فيهم من وافق أهل الأهواء- لم يمنعه ذلك من ضرب المثال بخطأ أحد أعلامهم.

وشيخ الاسلام يرى أن القول بأن أول واجب على المكلف هو النظر أو القصد إلى النظر أو معرفة الله أو الشك، قول باطل، وأن الصحيح أن أول واجب هو الشهادتان المتضمنتان لتوحيد الله وإفراده بالعبودية ويذكر لذلك عدة أدلة من الكتاب والسنة، ومنها:

١- حديث معاذ المشهور، يقول ابن تيمية: " والنبي- صلى الله عليه وسلم- لم يدع أحدا من الخلق إلى النظر ابتداء، ولا إلى مجرد إثبات الصانع، بل أول ما

دعاهم إليه الشهادتان، وبذلك أمر أصحابه، كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ ابن جبل- رضي الله عنهـ لما بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوما أهل كتاب،

فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم

والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " (١) ، وكذلك سائر الأحاديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم-


(١) متفق عليه، البخارى: كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة ورقمه ١٤٥٨ (الفتح ٣ / ٣٢٢) ، وباب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء، ورقمه ١٤٩٦ (الفتح ٣ / ٣٥٧) . ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، ورقمه ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>