للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتراض الذى يورده الباقلاني ومضمونه: أن المعرفة لو حصلت بغير النظر لسقط التكليف بها، فيبين أن المعرفة نفسها لم يدل دليل على وجوبها، بل هي موجودة عند جميع الناس لأنهم مفطورون عليها، ولذلك فإن الرسل افتتحوا دعوتهم بالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، كما في قصة نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وغيرهم من الأنبياء، لأن أممهم كانوا مقرين بالخالق، لكنهم كانوا يعبدون معه غيره، كما هو حال مشركي العرب (١) ، ولذلك قالت الرسل "أَفِي اللَّهِ شَكٌّ" [إبراهيم: ١٠] وهذا نفي، " أي ليس في الله شك، وهو استفهام تقرير يتضمن تقرير الأمم على ما هم مقرون به من أنه ليس في الله شك، فهذا استفهام تقرير " (٢) .

٣- وبعد أن يفصل شيخ الإسلام القول في أحاديث الفطرة، وقوله تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: ٥٦] يقول: " والمقصود هنا أنه معروف عند السلف والخلف أن جميع الجن والإنس معترفون بالخالق مقرون به، مع أن جمهور الخلق لا يعرفون النظر الذي يذكره هؤلاء، فعلم أن أصل الإقرار بالصانع والاعتراف به مستقر في قلوب جميع الإنس والجن وأنه من لوازم خلقهم، ضروري لهم، وإن قدر أنه حصل بسبب، كما أن اغتذاءهم بالطعام والشراب هو من لوازم خلقهم وذلك ضروري منهم وهذا هو الإقرار بالشهادة المذكورة في قوله: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ . قَالُوا بَلَى ... " [الأعراف: ١٧٢] .. " (٣) .

٤- ومن الأدلة أيضا الإجماع؛ فإن أئمة الدين وعلماء المسلمين " مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول: أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين سواء كان معطلا أو مشركا أو كتابيا، وبذلك يصير الكافر مسلما، ولا يصير


(١) مجموع الفتاوى (١٦/٣٣٢) .
(٢) المصدر السابق (١٦/٣٣٩) .
(٣) درء التعارض (٨/٤٨٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>