للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكره أهل الكلام المحدث" (١) ، وقد صرح أبو المعالي الجويني بأن تكليف عامة الناس النظر الصحيح التام تكليف بما لا يطاق، ونص على أنه تراجع عن قوله السابق في ذلك (٢) .

وقد وقع الخلاف في مسألة وجوب النظر هل يجب على كل أحد أو لا يجب على أحد أو يجب على بعض الناس دون بعض، فمن حصلت له المعرفة لم يجب عليه، ومن لم تحصل له المعرفة والِإيمان إلا به وجب عليه والأخير قول الجمهور (٣) .

ومن المسائل المتعلقة بهذا الباب أن العلم والايمان واجب بحسب الإمكان وبحسب أحوال الناس و" ترتيب الواجبات في الشرع واحدا بعد واحد ليس هو أمرا يستوي فيه جميع الناس، بل هم متنوعون في ذلك، فكما أنه قد يجب على هذا ما لا يجب على هذا، فكذلك قد يؤمر هذا ابتداء بما لا يؤمر به هذا، فكما أن الزكاة يؤمر بها بعض الناس دون بعض، وكلهم يؤمر بالصلاة فهم مختلفون فيما يؤمر به ابتداء من واجبات الصلاة، فمن كان يحسن الوضوء وقراءة الفاتحة ونحو ذلك من واجباتها أمر بفعل ذلك، ومن لم يحسن ذلك أمر بتعلمه ابتداء، ولا يكون أول ما يؤمر به هذا من أمور الصلاة هو أول ما يؤمر به هذا ... " (٤) .

وقد سبقت الإشارة- في بداية هذه الفقرة- إلى ذكر الخلاف في حصول المعرفة، هل تحصل ضرورة أو بالنظر، وهل تحصل بالعقل أو بالسمع. وجمهور المسلمين أنها تحصل بهذا تارة وبهذا تارة، وأدلة السمع ليست مجرد الخبر بل هي متضمنة للأدلة العقلية.

وبهذا العرض المتنوع لهذه القضايا يتبين أن زعم هؤلاء بأن أول واجب هو النظر وأنه لا طريق إلى المعرفة إلا به قول يخالفهم فيه جماهير المسلمين،


(١) درء التعارض (٧/٤٠٨) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٧/٤٤٠) .
(٣) انظر: المصدر نفسه (٧/٤٠٥) .
(٤) انظر: المصدر نفسه (٦/١٨-١٧) ، وانظر أيضا: (٧/٤٢٦-٤٢٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>