"فمن فرق بين النظر في الدليل، وبين النظر الذي هو طلب الدليل، تبين له الفرق، والنظر في الدليل لا يستلزم الشك في المدلول، بل قد يكون القلب ذاهلا عن الشيء، ثم يعلم دليله، فيعلم المدلول وإن لم يتقدم ذلك شك وطلب، وقد يكون عالما به، ومع هذا ينظر في دليل آخر لتعلقه بذلك الدليل، فتوارد الأدلة على المدلول الواحد كثير، لكن هؤلاء لزمهم المحذور؛ لأنهم أوجبوا النظر لكون المعرفة لا تحصل إلا به، فلو كان الناظر عالما بالمدلول لم يوجبوا عليه النظر، فإذا أوجبوه لزم انتفاء العلم بالمدلول، فيكون الناظر طالبا للعلم، فيلزم أن يكون شاكا فصاروا يوجبون على كل مسلم أنه لا يتم إيمانه حتى يحصل له الشك في الله ورسوله بعد بلوغه سواء أوجبوه أو قالوا هو من لوازم الواجب"(١) ، ولا شك أن هذا الذي التزموه قول باطل مخالف لما يجب أن يكون عليه المؤمن من اليقين والإيمان.
ب- ويربط شيخ الإسلام مسألة وجوب النظر بمسألة أخرى كثر فيها الخلاف وهي مسألة النظر هل هو من فروض الأعيان أو الكفايات، يقول شيخ الاسلام عن أبي الحسن الأشعري: " وقد تنازع أصحابه وغيرهم في النظر في قواعد الدين: هل هو من فروض الأعيان، أو من فروض الكفايات؟. والذين لا يجعلونه فرضا على الأعيان: منهم من يقول: الواجب هو الاعتقاد الجازم.
ومنهم من يقول: بل الواجب العلم، وهو يحصل بدونه [أي بدون النظر] كما ذكر ذلك غير واحد من النظار من أصحاب الأشعري وغيرهم كالرازي والآمدي وغيرهما.
والذين يجعلونه فرضا على الأعيان متنازعون: هل يصح الايمان بدونه، وتاركه آثم، أم لا يصح؟ على قولين. والذين جعلوه شرطا في الايمان أو أوجبوه ولم يجعلوه شرطا اكتفوا بالنظر الجملي دون القدرة على العبارة والبيان، ولم يوجب العبارة والبيان إلا شذوذ من أهل الكلام، ولا ريب أن المؤمنين على
عهد رسول اللة- صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين لم يكونوا يؤمرون بالنظر الذي