للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدسة ما شاء، فإن ذلك غير ممكن عندهم، ولا يتصور عندهم أن يكون العباد محجوبين عنه بحجاب منفصل عنهم يمنع أبصارهم عن رؤيته، فإن الحجاب لا يحجب إلا ما هو جسم منقسم، ولا يتصور عندهم أن الله يكشف عن وجهه الحجاب ليراه المؤمنون، ولا أن يكون على وجهه حجاب أصلا، ولا أن يكون بحيث يلقاه العبد أو يصل إليه أو يدنو منه أو يقرب إليه في الحقيقة، فهذا ونحوه هو المراد عندهم بكونه لا ينقسم، ويسمون ذلك نفي التجسيم، إذ كل ما ثبت له ذلك كان جسما منقسما مركبا، والبارئ منزه عندهم عن هذه المعاني " (١) ، وجماع المعاني التى قصدوها بقولهم هذا أنه تعالى عن قولهم ليس قائما بنفسه، ولا بائنا من خلقه ولا على العرش استوى، وأنه لا يشار إليه في جهة العلو.

وهذا ما يعبرون عنه بنفي الجسمية، والتحيز، والجهة، والرازي صرح بأن كل متحيز فهو منقسم، وكل منقسم فهو ليس بأحد (٢) ، وهكذا صار حقيقة التوحيد والواحد والأحد عند هؤلاء نفى صفات الله الخبرية، ونفى علوه على عرشه.

٢- أما قولهم في تفسير التوحيد بأن معناهـ أيضا- أنه واحد في صفاته لا شبيه له، فيرى شيخ الإسلام أن هذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكنهم أجملوها، حيث جعلوا نفى الصفات-كما فعلت المعتزلة- أو بعضها-كما فعلت الأشعرية داخلا في مسمى التشبيه، وهذا من بدع أهل الكلام، إذ لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسولهـ صلى الله عليه وسلم- ولا أقوال السلف أن يجعل نفي الصفات أو بعضها من التوحيد (٣) ، مع أن أهل الكلام مضطربون في هذا، لأن كل طائفة تجعل ما تنفيه من الأسماء أو الصفات من التشبيه الذي يجب تنزيه الله عنه، فالأشاعرة أدخلوا في مسمى التوحيد هذا نفي كثير من الصفات- أي ما عدا الصفات السبع التى لم يثبت غيرها متأخروهم- والمعتزلة أدرجوا في ذلك نفي جميع


(١) التسعينية (ص: ٢٠٣-٢٠٤) ، وانظر نقض التأسيس- المطبوع- (١/٤٧٤-٤٧٥) .
(٢) انظر: أساس التقديس للرازس (ص: ١٧) - ط الحلبي.
(٣) انظر: التسعينية (ص: ٢٠٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>