للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدماء، ولا يجعل القديم واحدا، فالجهمية من المتفلسفة والمعتزلة وغيرهم يبنون على هذا، وقد يسمون أنفسهم الموحدين، ويجعلون نفي الصفات داخلا في مسمى التوحيد (١) ، ثم ذكر شيخ الاسلام أن أئمة السلف كالإمام أحمد وغيره ردوا على هؤلاء، وبينوا ما في أقوالهم من التلبيس والباطل، يقول الإمام أحمد-رحمه الله-: "فقالت الجهمية لنا لما وصفنا هذه الصفات: إن زعمتم أن الله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته؟ قلنا: لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته، ولا نقول ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته، ونوره، لا متى قدر، ولا كيف قدر. فقالوا: لا تكونون موحدين أبدا حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء، قلنا نحن نقول: قد كان الله ولا شيء ولكن إذا قلنا: ان الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلها واحدا بجميع صفاته، وضربنا لهم مثلا في ذلك قولنا: أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار، واسمها اسم شيء واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها؟ فكذلك اللهـ وله المثل الأعلى- بجميع صفاته إله واحد، لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة حتى خلق قدرته، والذى ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم، والذى لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله عالما قادرا مالكا، لا متى ولا كيف.

قال: وسمى الله رجلا كافرا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال:" ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا " [المدثر: ١١] ، وقد كان الذى سماه وحيدا له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، وقد سماه وحيدا بجميع صفاته وكذلك اللهـ وله المثل الأعلى- بجميع صفاته واحدا (٢) .

فهؤلاء الذين واجههم الإمام أحمد-رحمه الله- هم شيوخ لمن جاء بعدهم، من الجهمية والمعتزلة والفلاسفة الذين-يزعمون أن الواحد هو الذي


(١) انظر: نقض التأسيس- المطبوع- (١/٤٦٣) .
(٢) نقض التأسيس- المطبوع- (١/٤٦٣-٤٦٤) ، وكلام الإمام أحمد في الرد على الزنادقة والجهمية (ص: ٩١-٩٢) - ضمن عقائد السلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>