وهي تدل على استخدام لفظ الواحد فيما هو جسم خلافا لما يزعمه هؤلاء.
وإذا كان الأمر كذلك من أن الغالب في اللغة أن اسم الواحد يتناول ما ليس هو الواحد في اصطلاحهم " لم يجز أن يحتج بقوله تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[البقرة: ١٦٣] وقوله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: ١] ، ونحو ذلك مما أنزله الله بلغة العرب، وأخبرنا فيه أنه واحد، وأنه إله واحد- على أن المراد ما سموه هم في اصطلاحهم واحدا مما ليس معروفا في لغة العرب، بل إذا قال القائل: دلالة القرآن على نقيض مطلوبهم أظهر، كان قد قال الحق، فإن القرآن نزل بلغة العرب، وهم لا يعرفون الواحد في الأعيان إلا ما كان قديما بنفسه، متصفا بالصفات، مباينا لغيره، مشارا إليه. وما لم يكن مشارا إليه أصلا، ولا مباينا لغيره، ولا مداخلا له، فالعرب لا تسميه واحدا ولا أحدا، بل ولا تعرفه، فيكون الاسم الواحد والأحد دل على نقيض مطلوبهم منه، لا على مطلوبهم "(١) .
وشيخ الاسلام بهذه الأدلة الكثيرة إنما يقرر قاعدة من القواعد المهمة في باب الصفات وغيرها، وهي أن تفسير النصوص- في الصفات وغيرها- إنما يرجع فيه إلى لغة الذين خوطبوا به أول مرة، وماذا فهموا من النصوص، أما أن تنشأ مصطلحات جديدة وتحمل النصوص عليها فهذا مخالف لما هو متواتر من أن القرآن هدى للناس وفيه البيان التام. وهذه من المسائل الكبرى في الخلاف بين مذهب السلف وغيرهم من أهل البدع، لأنه إذا وقع خلاف حول نص من النصوص، فقال قائل: هذا يدل على إثبات الصفات لله، وقال الآخر: لا يدل، فمن الذي يفصل في المسألة، ويبين الحق فيها، وكل يدعى أن الحق معه؟ أهل البدع من النفاة يرجعون في ذلك إلى عقولهم، أو إلى أقوال شيوخهم، أو إلى شواذ اللغة، أو إلى مصطلحات أهل الفلسفة التى تلقوها عن غير المسلمين.
أما السلف فيرجعون إلى النصوص الأخرى من الكتاب والسنة التى تبين هذا النص وتوضحه، ويرجعوق إلى لغة العرب وفهم الصحابة والسلف من خير القرون،