للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما قالوه في بيان معنى هذا النص، ولذلك يقول شيخ الاسلام- في معرض رده على الرازي حول استدلاله بالواحد والأحد على نفي الصفات-: "إن الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها، وقد نزل بلغة قريش كما قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ" [ابراهيم: ٤] وقال: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: ١٩٥] فليس لأحد أن يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص- بل ولا يحمله إلا على معاني عنوها بها، إما [أخص] من المعنى اللغوي أو أعم، أو مغايرا له، لم يكن له أن يضع القرآن على ما وضعه هو، بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته، ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفا للكلام عن مواضعه، ومن المعلوم أنه ما من طائفة إلا وقد تصطلح على ألفاظ يتخاطبون بها، كما أن من المتكلمين من يقول: الأحد هو الذي لا ينقسم، وكل جسم منقسم، ويقول: الجسم هو مطلق المتحيز القابل للقسمة، حتى يدخل في ذلك الهواء وغيره، لكن ليس له أن يحمل كلام الله وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبى- صلى الله عليه وسلم- يخاطب بها أمته، وهى لغة العرب عموما ولغة قريش خصوصا "، ثم يطق هذا على المثال المطروح فيقول: " ومن المعلوم المتواتر في اللغة، الشائع بين الخاص والعام أنهم يقولون: درهم واحد، ودينار واحد، ورجل واحد، وامرأة واحدة، وشجرة واحدة، وقرية واحدة، وثوب واحد، وشهرة هذا عند أهل اللغة شهرة سائر ألفاظ العدد، فيقولون: رجل واحد، ورجلان اثنان، وثلاثة رجال، وأربعة رجال. وهذا من أظهر اللغة وأشهرها وأعرفها، فكيف يجوز أن يقال: إن الوحدة لا يوصف بها شيء من الأجسام، وعامة ما يوصف بالوحدة في لغة العرب إنما هو جسم من الأجسام؟! (١) .

فهذه الاصطلاحات الحادثة، التي يحدثها الناس أو أرباب العلوم المختلفة في كل عصر، هى اصطلاحات لهم- ولا مشاحة في أن يتفق أهل فن أو علم على اصطلاح معين يتعارفون عليهـ ولكن الخطأ أن يجعل هذا المصطلح الحادث


(١) نقض التأسيس - المطبوع- (١/٤٩٢-٤٩٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>