للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الثوب الواحد؟، ويقال: هل عندك أحد؟. ونكتة الرد هنا أن لفظ الأحد لم يستعمل فيما ادعاه هؤلاء لا في النفي ولا في الإثبات، ولو فرض أن معناهـ ما ليس بجسم كما يزعم هؤلاء- لوقع تناقض عظيم؛ فإنه يقال: إذا كان في الاثبات معناه إن الله أحد أي ليس بجسم، فهل يكون في النفى كذلك؟ هل يقال: إن معنى قوله تعالى: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" [الإخلاص: ٤] لم يكن ما ليس بجسم كفوا له، ومعنى قوله تعالى: "وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" [الكهف: ٢٦] : لا يشرك في حكمه ما ليس بجسم، ومعنى قوله:

"لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ" [الجن: ٢٢] أى لن يجيرني من الله ما ليس بجسم؟ هل يكوَن مفهوم هذه النصوص أنه قد يكون ما هو جسما كفوا له، وقد يشرك في حكمه ما هو جسم وهكذا؟. هل يقول هذا عاقل، وهل يمكن أن تكون النصوص قد جاءت بمثل هذا التناقض والباطل (١) .

٥- أن قولهم باطل من جهة العقل أيضا، يقول شيخ الإسلام: " أما العقل فهذا الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة: إنه أمر لا يعقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر، ولا يتميز منه شيء عن شيء، بحيث يمكن أن لا يرى ولا يدرك ولا يحاط به وإن عاه المسمي جسما، وأيضا فإن التوحيد إثبات لشيء واحد، فلابد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها، ويتميز بها عما سواه، حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية، ومجرد عدم المثل إذا لم يفد ثبوت أمر وجودي كان صفة للعدم، فنفي المثل والشريك يقتضي ما هو على حقيقة يستحق بها واحدا" (٢) ، فهؤلاء ظنوا أن ما يتصورونه في أذهانهم موجود في الخارج، وهذا من الأخطاء الكبرى التي وقع فيها أهل الكلام والتصوف والفلسفة ونبه


(١) انظر: تفسر سورة الإخلاص، مجموع الفتاوى (١٧/٢٣٥) ، ودرء التعارض (٧/١٢١) ،
ونقض التأسيس- المطبوع- (١/٤٩٣-٤٩٤) .
(٢) نقض التأسيس- المطبوع- (١/٤٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>