للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتجسيم قولهم بذلك، ألا ترى أن الشمس والقمر والنمل والبق أجسام، ولا يلزمنا اعترافنا باشتراكها في الجسمية كوننا مشبهين للشمس والقمر والنمل والبق، وإن عنيتم بالمشبه من يقول بكون الله شبيها بخلقه من بعض الوجوه فهذا لا يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أنه موجود وشيء وعالم وقادر، والحيوانات أيضا كذلك، وذلك لا يوجب الكفر، وإن عنيتم بالمشبه من يقول الإله جسم مختص بالمكان، فلا نسلم انعقاد الإجماع على تكفير من يقول بذلك، بل هو دعوى للإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه " (١) .

قال شيخ الإسلام معلقا على كلام الرازى السابق بعد نقله: " وهذا تصريح منه بأن القول بكون الله شبيها بخلقه من بعض الوجوه داخل في قول كل المسلمين، ولا ريب أن كل موجودين فلابد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وأن أحدهما أكمل فيه وأولى به من الآخر، وإلا فإذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلا ولا يشتركان فيه لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين يفهمونها" (٢) .

فهؤلاء أئمة الأشاعرة يعترفون بهذه الحقيقة البدهية، والعجب أنهم ينسون ذلك حين يتعرضون لبعض مسلماتهم الأخرى- كنفي العلو، أو بعض الصفات- فيصمون من يقول بها ويثبتها بالتشبيه والتجسيم، ويجعلون مذهبهم النافي لها هو التوحيد!.

د- بيان حقيقة التوحيد الذى دعت إليه الرسل:

سبق بيان أنواع التوحيد الثلالة عند الأشاعرة وغيرهم من أهل الكلام، مع بيان ما فيها من الحق والباطل، وردود شيخ الإسلام على الأشاعرة حين أدخلوا في مسمى التوحيد نفى العلو والصفات، وتقصيرهم حين ركزوا على توحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، والآن نبين حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل:


(١) نقض التأسيس - مخطوط- (٣/٢٥٤-٢٥٥) ، والنص في نهاية العقول (٢٩٣- أ) .
(٢) نقض التأسيس - مخطوط- (٣/٢٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>